للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد النداء الأول الذي جاء تعقيبا على قصة آدم عليه الصلاة والسلام يأتي النداء الثاني: يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ أي لا يخدعنكم ولا

يضلنكم بألا تدخلوا الجنة، كما فتن أبويكم بأن أخرجهما منها، والمعنى: يا بني آدم لا تتبعوا الشيطان فيفتنكم. يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما أي: أخرجهما نازعا عنهما لباسهما بأن كان سببا في أن نزع عنهما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما أي عوراتهم إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ أي إنه يراكم هو وذريته، أو هو وجنوده من حيث لا ترونهم، هذا تعليل للنهي وتحذير من فتنته، بأنه بمنزلة العدو المداجي، يكيدكم من حيث لا تشعرون.

قال ذو النون: إن كان هو يراك من حيث لا تراه؛ فاستعن بمن يراه من حيث لا يراه، وهو الله الكريم الستار، الرحيم الغفار إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ أي نصراء وموجهين، ومربين ومتسلطين على الكافرين، وقد نجح الشيطان- عليه اللعنة- بأن جعل أكثر أهل الأرض يخلعون اللباسين: اللباس الحسي، والمعنوي؛ حتى أصبح الظهور بالعري الكامل غير مستنكر، ولا مستفظع، ولا مستغرب، في كثير من أنحاء العالم، وتعليقا على هذه الآية يقول صاحب الظلال: (إنه النداء الثاني لبني آدم، في وقفة التعقيب على قصة أبويهم، وما جرى لهما مع الشيطان؛ وعلى مشهد العري الذي أوقفهما فيه عدوهما بسبب نسيانهما أمر ربهما والاستماع إلى وسوسة عدوهما.

وهذا النداء يصبح مفهوما بما قدمناه من الحديث عن تقاليد الجاهلية العربية في حكاية العري عند الطواف بالبيت. وزعمهم أن ما وجدوا عليه آباءهم هو من أمر الله وشرعه

لقد كان النداء الأول تذكيرا لبني آدم بذلك المشهد الذى عاناه أبواهم، وبنعمة الله في إنزال اللباس الذي يستر العورة، والرياش الذى يتجمل به .. أما هذا النداء الثاني فهو التحذير لبني آدم عامة، وللمشركين، فيما يتخذونه لأنفسهم من مناهج وشرائع وتقاليد؛ فيسلمهم إلى الفتنة- كما فعل مع أبويهم من قبل، إذ أخرجهما من الجنة، ونزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما- فالعري والتكشف الذي يزاولونه- والذي هو طابع كل جاهلية قديما وحديثا- هو عمل من أعمال الفتنة الشيطانية، وتنفيذ لخطة عدوهم العنيدة في إغواء آدم وبنيه؛ وهو طرف من المعركة التي لا تهدأ بين الإنسان وعدوه. فلا يدع بنو آدم لعدوهم أن يفتنهم؛ وأن ينتصر في هذه المعركة، وأن يملأ منهم جهنم في نهاية المطاف)

<<  <  ج: ص:  >  >>