المرضية إلى المسخوطة تتغير الحال المسخوطة إلى أسخط منها. ومشركو مكة كانوا قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم كفرة عبدة أصنام، فلما بعث إليهم بالآيات فكذبوه وسعوا في إراقة دمه غيروا حالهم إلى أسوأ مما كانت، فغير الله ما أنعم به عليهم من الإمهال وعاجلهم بالعذاب وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لما يقوله مكذبو الرسل عَلِيمٌ بما يفعلون
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ كرر ذلك للتأكيد وزاد هنا بيانا بتفصيل نوع العذاب وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ أي بماء البحر وَكُلٌّ أي من آل فرعون ومن قبلهم ومشركي مكة الذين عذبهم بيد المؤمنين يوم بدر كانُوا ظالِمِينَ أي أنفسهم بالكفر والمعاصي. وهكذا علمنا في هذا المقطع استحقاق الكافرين للعذاب الرباني، فإذا كان الأمر كذلك علمنا لماذا لا يجوز أن نكون مثلهم، وعلمنا لماذا أمرنا بقتالهم. فهذه الآيات في وسط المقطع هي تعليل لما قبلها وما بعدها. فما بعدها كلام عن الكافرين، وكون نقض العهد من صفاتهم وعقوبتهم على ذلك، وأن الكافرين لا يعجزون. وأمر بالإعداد المادي. وأمر بالتوكل على الله الذي يتولى أولياءه ويعذب أعداءه، وكل هذه المعاني مرتبطة بما مر.
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ فلإصرارهم على الكفر لا يتوقع منهم الإيمان
الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أي في كل معاهدة وَهُمْ لا يَتَّقُونَ أي لا يخافون عاقبة الغدر، ولا يبالون بما في الغدر من العار والنار، جعل الذين كفروا شر الدواب، ثم خص منهم الناقضين للعهود. قال النسفي: وجعلهم شر الدواب لأن شر الناس الكفار، وشر الكفار المصرون، وشر المصرين الناكثون للعهود. أليس هؤلاء يستحقون العذاب
فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فإما تصادفنهم وتظفرن بهم فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ أي ففرق بقتلهم شر قتلة من وراءهم من الكفرة، حتى لا يجسر عليك بعدهم أحد؛ اعتبارا بهم واتعاظا بحالهم وبتعبير مختصر: افعل بهم ما تفرق به جمعهم وتطرد به من عداهم، وبتعبير أخصر:
اضربهم ضربة قاصمة تكون عبرة لغيرهم لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ أي لعل المشردين من ورائهم يتعظون. هذا هو الموقف الذى فرضه الله من الغادرين، وهو موقف لا يستطيعه المسلمون إلا إذا كانوا على أعظم أنواع الجاهزية للقتال بالعتاد والتخطيط والسلاح والتدريب، ومن ثم نلاحظ أنه في هذا السياق يأتي الأمر بالإعداد كما سنرى
وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ أي معاهدين خِيانَةً أي نكثا بأمارات تلوح لك فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ أي فاطرح إليهم العهد عَلى سَواءٍ أي على استواء منك ومنهم في