ولقد رأينا أن سياق سورة الأنعام يكاد يكون عرضا لمظاهر خلق الله للأشياء والإنسان، وكيف ينحرف المنحرفون مع ذلك فيشركون ويمترون، ولقد رأينا كيف أن الجولة الأولى من هذا المقطع ركّزت على الشرك وحاورت أهله، وسنرى في هذه الجولة مثل ذلك قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ .. قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا ... وهكذا نجد أن المقطع في جولتيه يمضي على نسق واحد مع السياق الخاص للسورة، وهو مع هذا وهذا يفصّل في محور السورة من سورة البقرة، كما رأينا أدلة ذلك وكما سنرى. فلننتقل الآن إلى التفسير الحرفي للجولة الثانية:
[المعنى الحرفي]
وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً. أي: ملائكة حافظين لكم، وآخرين حافظين لأعمالكم وهم الكرام الكاتبون ليكون ذلك أزجر للعباد عن ارتكاب الفساد إذا تفكروا أن صحائفهم تقرأ على رءوس الأشهاد حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حتى هنا لغاية حفظ الأعمال أي: وذلك أدب الملائكة مع المكلف مدة الحياة إلى أن يأتيه الممات تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا. أي: استوفت روحه وهم ملك الموت وأعوانه وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ. أي: لا يتوانون ولا يؤخرون
ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ. أي: إلى حكمه وجزائه أي المتوفون تردّهم الملائكة إلى الله مَوْلاهُمُ الْحَقِّ. أي: مالكهم الذي يلي أمورهم، العدل الذي لا يحكم إلا بالحق أَلا لَهُ الْحُكْمُ في الدنيا والآخرة، وإن نازعه في الدنيا في الظاهر من لا يعرفه فإنّه يوم القيامة لا حكم لغيره وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ إذ هو لا يشغله حساب عن حساب ويحاسب جميع الخلائق في الوقت القصير جدا.
[فائدة]
نقل النسفي بمناسبة قوله تعالى: ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ ... هذه الحكمة المذكورة: الردّ إلى من ربّاك خير من البقاء مع من آذاك. وذكر ابن كثير بهذه المناسبة حديثا رواه الإمام أحمد وقال ابن كثير عنه: حديث غريب. وهذا هو الحديث: عن أبي هريرة