ثم بعد ذلك جاء قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها هذا المثل الذي أشار الله إليه هناك هو المثل الذي ضربه الله عزّ وجل في أواخر سورة الحج، فما الحكمة في الإشارة المتقدمة إليه وتأخير ذكره إلى سورة الحج؟ أقول في تعليل ذلك- وأستغفر الله- إن سورة الحج كلها مستكنة في قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ لأن سورة الحج كلها تفصيل لها فعند ما يأتي في سورة البقرة إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ... بعد قوله يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ... فما ذلك إلا لاستكنان سورة الحج قبل ذلك، ومن ثم فكأن سورة الحج سابقة حكما للآية إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا إن منزل هذا القرآن المحيط بكل شئ جعل في كتابه من أسرار الإعجاز ومن تشابك الصلات بين سوره وآياته ما به يعرف أن هذا لا يمكن أن يكون إلا إذا كان منزل هذا القرآن هو الله رب العالمين، الذي أحاط بكل شئ علما.
[بين يدي خاتمة السورة]
رأينا أن محور سورة الحج هو قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ وقد سارت السورة مفصلة نوع تفصيل لمعاني