الثاني، ويؤيد هذا ذكر الزكاة، فمن لا عمل له لا مال له، ومن لا مال له كيف يزكي؟ ثم أكمل الله وصفهم بقوله يَخافُونَ يَوْماً أي يوم القيامة تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ ببلوغها إلى الحناجر وَالْأَبْصارُ بالشخوص والزرقة، أو تتقلب فيه القلوب والأبصار من حال إلى حال، على حسب جلال الموقف ورهبته أو تتقلب فيه القلوب إلى الإيمان بعد الكفران، والأبصار إلى العيان بعد الإنكار في الدنيا وقوله رِجالٌ فيه إشعار بهممهم السامية، ونياتهم وعزائمهم العالية التي بها صاروا عمارا للمساجد التي هي بيوت الله في أرضه، ومواطن عبادته وشكره وتوحيده وتنزيهه، كما أن فيه إشعارا أن صلاة النساء في بيوتهن أفضل.
ثم قال تعالى لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أي هم يفعلون ما يفعلون من أجل أن يجزيهم الله، فهم يسبحون ويخافون ويفعلون ما يفعلونه في الخير ليجزيهم الله أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ أي يتقبل منهم الحسن ويضاعفه لهم، والسياق يشعر أنهم يفعلون الخير ليحصلوا ذاك، وأنهم قد حصلوا فعلا وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ أي يثيب من يشاء ثوابا لا يدخل في حساب الخلق، وبهذا أنهى الله الكلام عن صفات المهتدين، والملاحظ أنه من خلال عرض صفات المهتدين بنوره، قد ذكر الله عزّ وجل ماهية العمل الذي يضيء القلب وينيره، وهو التسبيح بإقامة الصلوات في المساجد، والذكر، والصلاة بشكل مطلق، والزكاة، والخوف من الله، والرغبة فيما عنده، إن هذا هو الطريق لتنمية الإيمان.
[تلخيص]
في الآيات التي مرت معنا من المقطع الثاني حدثنا الله عزّ وجل عن هدايته للسماوات والأرض، وضرب لنا مثلا على هذه الهداية بهدايته لعبده المؤمن، وعرفنا من ذلك أن هناك هدايتين: هداية الفطرة، وهداية الشريعة، وأن هداية الفطرة مستمدة من هداية الشريعة.
وأن نور القلب لا يزال مشتعلا ما دام هناك عمل بالشريعة، وقد دلنا الله عزّ وجل على الأعمال التي تبقي نور القلب مشتعلا، وإذا أردنا أن نقرب الموضوع للأذهان من خلال ضرب مثل نأخذه من معارف عصرنا نقول: إن المصباح الكهربائي يستمد نوره من مولد الكهرباء، والمولد عادة له مكان، ويحتاج إلى محرك، فالمصباح هو القلب، والمولد هو الشريعة، والمكان هو المسجد، والمحرك هو التسبيح، والصلاة والزكاة ...