للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكنه في الحقيقة ما من لحظة من اللحظات إلا وفيها شروق وغروب بالنسبة لجزء من أجزاء الكرة الأرضية، ومن ثمّ كانت مشارق ومغارب، فإن يذكر القرآن هذا المعنى فذلك من معجزاته الكثيرة وفي ذكر المشارق والمغارب إشارة إلى كروية الأرض، لأنه لا يمكن أن يكون مشارق ومغارب إلا إذا كانت الأرض كروية، وفي ذلك كذلك معجزة قرآنية إذا نظرنا إلى معارف الجزيرة العربية في عصر نزول القرآن.

قال صاحب الظلال عند قوله تعالى:

وَرَبُّ الْمَشارِقِ. (ولكل نجم مشرق، ولكل كوكب مشرق، فهي مشارق كثيرة في كل جانب من جوانب السماوات الفسيحة .. وللتعبير دلالة أخرى دقيقة في التعبير عن الواقع في هذه الأرض التي نعيش عليها كذلك. فالأرض في دورتها أمام الشمس تتوالى المشارق على بقاعها المختلفة- كما تتوالى المغارب- فكلما جاء قطاع منها أمام الشمس كان هناك مشرق على هذا القطاع، وكان هناك مغرب على القطاع المقابل له في الكرة الأرضية. حتى إذا تحركت الأرض كان هناك مشرق آخر على القطاع التالي، ومغرب آخر على القطاع المقابل له وهكذا ... وهي حقيقة ما كان يعرفها الناس في زمان نزول القرآن الكريم؛ ولكن خبّرهم بها الله في ذلك الزمان القديم!

وهذا النظام الدقيق في توالي المشارق على هذه الأرض. وهذا البهاء الرائع الذي يغمر الكون في مطالع المشارق .. كلاهما جدير بأن يوقع في القلب البشري من التأثرات الموحية، ما يهتف به إلى تدبّر صنعة الصانع المبدع، وإلى الإيمان بوحدانية الخالق المدبّر، بما يبدو من آثار الصنعة الموحدة التي لا اختلاف في طابعها الدقيق الجميل).

كلمة في السياق: [حول صلة مقدمة السورة بالمقطع الأول وبالمحور]

رأينا أنّ مقدمة السورة انصب سياقها الرئيسي على موضوع التوحيد والتعريف على الله عزّ وجل، وما يستلزمه ذلك من استحقاق الله وحده للألوهية، ومن ثمّ يبتدئ المقطع الأول في السورة بقوله تعالى: فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا ....

وفي هذا الابتداء ما يوحي باستمرار السورة في سياقها الرئيسي في الكلام عن موضوع التوحيد، ومع أن ذلك هو السياق الرئيسي فإنّ المقدّمة تحدّثت بشكل عرضي عن الملائكة، والوحي، والقرآن، واليوم الآخر، أي عن أركان الإيمان، وسنرى أنّ

<<  <  ج: ص:  >  >>