أَعْمالَهُمْ أي فأبطل بإضمارهم الكفر ما أظهروه من الأعمال وَكانَ ذلِكَ أي إحباط أعمالهم عَلَى اللَّهِ يَسِيراً أي هيّنا سهلا عنده
يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا أي لجبنهم يظنّون أنّ الأحزاب لم ينهزموا ولم ينصرفوا، مع أنهم قد انصرفوا، فهم يحسبون أنهم منهم قريب، وأن لهم عودة. قال ابن كثير:(وهذا أيضا من صفاتهم القبيحة في الجبن والخور والخوف) وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ كرّة ثانية يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ البادون: جمع البادي وهم المقيمون في البادية، أي يتمنى المنافقون لجبنهم أنهم خارجون من المدينة إلى البادية، حاصلون بين الأعراب؛ ليأمنوا على أنفسهم، ويعتزلوا مما فيه الخوف من القتال يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ أي يسألون كل قادم منهم من جانب المدينة عن أخباركم، وعما جرى عليكم وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ وكان قتال ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا رياء وسمعة.
أي ولو كانوا بين أظهركم لما قاتلوا معكم إلا قليلا لكثرة جبنهم وذلتهم، وضعف يقينهم
لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ أي قدوة حسنة في أقواله وأفعاله وأحواله صلّى الله عليه وسلم لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ أي لمن كان يخاف الله، ويخاف اليوم الآخر، أي يأمل ثواب الله، ونعيم اليوم الآخر وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً في كل حال في الخوف والرّجاء، والشدّة والرّخاء، في الليل والنهار.
ثمّ أخبر تعالى عن عباده المؤمنين المصدّقين بموعود الله لهم بأن لهم العاقبة في الدنيا والآخرة:
وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أي هذا ما وعدنا الله ورسوله من الابتلاء والاختبار والامتحان، الذي يعقبه النصر القريب.
قال ابن عباس رضي الله عنه وقتادة يعنون قوله تعالى في سورة البقرة أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ.
وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وهذا تتمة قول المؤمنين لما جاء الأحزاب واضطرب المسلمون ورعبوا، علم الصادقون أن هذا كله موعود الله، وعلموا أن الغلبة والنصرة قد وجبت لهم، إذ وجد هذا الزلزال الشديد وَما زادَهُمْ ما رأوا من اجتماع الأحزاب عليهم ومجيئهم إِلَّا إِيماناً بالله وبمواعيده وَتَسْلِيماً لقضائه وقدره،
ولمّا ذكر الله عزّ وجل عن المنافقين أنهم نقضوا العهد الذي كانوا عاهدوا الله عليه من أنّهم لا يولون الأدبار، وصف المؤمنين بأنهم استمروا على العهد والميثاق فقال:
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ أي فيما عاهدوه عليه فَمِنْهُمْ