روح إلى الجسد الذي كانت تعمره، فترجع كل روح إلى جسدها فتدب فيه كما يدب السم في اللديغ، وتنشق الأرض عنهم فيقومون إلى موقف الحساب سراعا مبادرين إلى أمر الله عزّ وجل مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ (القمر: ٨) وقال الله تعالى يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (الإسراء: ٥٢) وفي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «أنا أول من تنشق عنه الأرض»).
١٤ - [فائدة حول كلمة (جبار) وإبراز معناها في موضعها]
بمناسبة قوله تعالى وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ أقول: إن الجبار هو الذي يبطش في هوى نفسه، أما من يبطش بأمر الشرع فليس جبارا، ومن ثم فلا تنافي بين قوله تعالى وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ وبين فريضة الجهاد، وقتال رسول الله صلّى الله عليه وسلم للكافرين.
[كلمة أخيرة في سورة ق ومجموعتها]
عالجت سورة (ق) كما رأينا موضوع العجب من البعث، وموضوع التكذيب بالحق، وهما الموضوعان اللذان يجابههما المسلم في حركته، ومن ثم ندرك صلة سورة (ق) بمجموعتها، فإذا كانت سورة الفتح قد بينت من جملة ما بينت خصائص الجماعة المسلمة ووعدت بانتصارها، وجاءت سورة الحجرات لتبني هذه الجماعة بما يكافئ مهمتها، فإن سورة (ق) عالجت العقبتين الرئيسيتين اللتين سيصادفهما صاحب الدعوة الأول، والجماعة الإسلامية معه، وهما عقبتا: التكذيب، والعجب من مضمون الرسالة، وهذا معنى من معاني سورة (ق)، ومظهر من مظاهر التكامل ما بين سورة (ق) ومجموعتها.
وبتحديد السورة خصائص أهل النار أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ* مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ* الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ وبتحديد الخاصية الأولى للإنسان الذي هو مظنّة التذكّر بكتاب الله، وهي الخوف من وعيد الله فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ بتحديد السورة هذه المعاني أعطت المسلم بصرا فيمن يخصه بالتذكير، وفيمن ييأس منه، وفي ذلك إعطاء بصيرة لهذه الأمة في حركتها الدائبة نحو إعلاء كلمة الله التي وعد الله بها، هذا مع وجوب إقامة الحجة على الجميع،