اختيارا منك لا أنه على سبيل الوجوب، فرحن بذلك واستبشرن به وحملن جميلك في ذلك واعترفن بمنتك عليهن في قسمتك لهن، وتسويتك بينهن، وإنصافك لهن، وعدلك فيهن وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ أي من الميل إلى بعضهن دون بعض مما لا يمكن دفعه). قال النسفي: فيه وعيد لمن لم ترض منهنّ بما دبّر الله من ذلك وفوّض إلى مشيئة رسوله وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً بذات الصدور حَلِيماً لا يعاجل بالعقوبة، فهو حقيق بأن يتقى ويحذر
لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ قال النسفي:
من بعد التسع؛ لأن التسع نصاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الأزواج، كما أن الأربع نصاب أمته وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ أي بالطلاق مِنْ أَزْواجٍ أي ولا أن تستبدل بهؤلاء التسع أزواجا أخر بكلهن أو بعضهن كرامة لهن، وجزاء على ما اخترن ورضين وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ أي فلا يحللن لك إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ استثنى مما حرم عليه الإماء وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً أي حافظا. وهو تحذير عن مجاوزة حدوده وذهبت عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما أن حكم هذه الآية قد نسخ، وأبيح لرسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يتزوج ما شاء، إلا أنه لم يفعل. وقد قال ابن كثير في مقدمة كلامه عن هذه الآية:
(ذكر غير واحد من العلماء كابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وابن زيد وابن جرير وغيرهم أن هذه الآية نزلت مجازاة لأزواج النبي صلّى الله عليه وسلم، ورضا عنهن على حسن صنيعهن في اختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة لما خيّرهن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كما تقدم في الآية، فلما اخترن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان جزاؤهن أن الله تعالى قصره عليهن، وحرّم عليه أن يتزوج بغيرهن، أو يستبدل بهن أزواجا غيرهن، ولو أعجبه حسنهن، إلا الإماء والسراري، فلا حرج عليه فيهن، ثم إنه تعالى رفع عنه الحرج في ذلك، ونسخ حكم هذه الآية، وأباح له التزوج، ولكن لم يقع منه بعد ذلك تزوج؛ لتكون المنة لرسول الله صلّى الله عليه وسلم عليهن).
[كلمة في السياق]
سجّلت هذه الآيات أحكاما في موضوع زواج رسول الله صلّى الله عليه وسلم مبينة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لم يكن يفعل إلا ما أحلّه الله له، فالإنكار على رسول الله صلّى الله عليه وسلم في هذا الأمر إنكار على الله عزّ وجل، ومن ثمّ ورد في الآية الثانية قوله تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وفي ذلك تحذير أيما تحذير.