للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاتجاه الأول: أن هذا من باب التمثيل ومعنى ذلك أنه نصب لهم الأدلة على ربوبيته ووحدانيته، وشهدت بها عقولهم التي ركبها فيهم وجعلها مميزة بين الهدى والضلالة، فكأنه أشهدهم على أنفسهم وقررهم وقال لهم: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ وكأنهم قالوا بلى أنت ربنا شهدنا على أنفسنا وأقررنا بوحدانيتك.

الاتجاه الثاني: أن الله تعالى أخرج ذرية آدم من ظهر آدم مثل الذر، وأخذ عليهم الميثاق أنه ربهم بقوله. أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ فأجابوه ببلى قالوا: وهي الفطرة التي فطر الله الناس عليها.

وقال النسفي والحجة للأولين أنه قال مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ولم يقل من ظهر آدم، ولأنا لا نتذكر ذلك فأنى يصير حجة؟ أَنْ تَقُولُوا أي: فعلنا ذلك من نصب الأدلة الشاهدة على صحتها العقول، وأخذ شهادة الأرواح كراهة أن تقولوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ أي لم ننبه عليه

أَوْ تَقُولُوا أي: أو كراهة أن تقولوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ. أي فاقتدينا بهم فذلك لا حجة فيه لأن نصب الأدلة على التوحيد وما نبهوا عليه قائم معهم، فلا عذر لهم في الإعراض عنه، والاقتداء بالآباء، كما لا عذر لآبائهم في الشرك، وأدلة التوحيد منصوبة لهم أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ أي لولا ما قامت عليهم به الحجة لقالوا هذا الكلام محتجين به على الله. والمعنى أنهم لولا ذاك لقالوا إن آباءنا كانوا السبب في شركنا. لتأسيسهم الشرك وتركه سنة لنا. ومن ثم أخذ الله من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على ربوبيته وعبوديتهم

وَكَذلِكَ أي ومثل ذلك التفصيل البليغ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ أي هذا التفصيل البليغ من أجل أن يرجعوا إلى مقامهم الأصيل مقام العبودية لله. ومن هاتين الآيتين نفهم أن الله لم يترك لأحد حجة عليه في الفرار من عبوديته، والعبودية إنما تكون باتباع وحيه ورسله.

[فوائد]

رأينا أن للمفسرين اتجاهين في تفسير قوله تعالى وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ وابن كثير لم ير أن أيا من التفسيرين يعارض الآخر من حيث المبدأ: فقد جبل الله الفطرة على التوحيد، كما استخرج ذرية آدم من ظهورهم

<<  <  ج: ص:  >  >>