واحدة في هذا السبيل، وهو أن تأخذ أشياء فرادى معزولا بعضها عن بعض لم يأخذ هذا بحجزة ذاك فتشبهها بنظائرها. ولكن الواقع أن للعرب طريقة أخرى، وهي أن تشبه كيفية حاصلة من مجموع أشياء قد تضامت وتلاصقت حتى عادت شيئا واحدا بأخرى مثلها كما هنا. فالمراد العام هنا تشبيه حال المنافقين في ضلالتهم، وما خبطوا فيه من الحيرة والدهشة كحال من أخذته السماء في الليلة المظلمة مع رعد وبرق وخوف من الصواعق.
[٣ - حديث شريف كاشف]
إن هناك حديثا شريفا يكشف لنا هذين المثلين ويبين لنا أهلهما كما يكشف لنا مقدمة سورة البقرة كلها فلنره:
عن أبي سعيد (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«القلوب أربعة: قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر، وقلب أغلف مربوط على غلافه، وقلب منكوس، وقلب مصفح، فأما القلب الأجرد، فقلب المؤمن فسراجه فيه نوره، وأما القلب الأغلف، فقلب الكافر، وأما القلب المنكوس فقلب المنافق الخالص عرف ثم أنكر، وأما القلب المصفح فقلب فيه إيمان ونفاق، ومثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب، ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والدم فأي المادتين غلبت على الأخرى غلبت عليه» قال ابن كثير: رواه الإمام أحمد بإسناد جيد حسن.
لا شك أن القلب الأول هو: قلب المؤمنين المتقين الذين وردت صفاتهم في الفقرة الأولى من مقدمة سورة البقرة، وأن القلب الثاني هو قلب الكافرين الذين وردت صفاتهم في الفقرة الثانية من مقدمة سورة البقرة، وأن القلبين الثالث والرابع هما في من وردت صفاتهم في الفقرة الثالثة من مقدمة سورة البقرة، وأن القلب الثالث مثله هو المثل الأول وأن القلب الرابع مثله هو المثل الثاني.
والملاحظ أن القلب الرابع لا زال فيه أمل، وذلك إذا أصبح مدد الإيمان أكثر من مدد النفاق، وذلك بالإقبال على الأعمال الصالحة وترك السيئات وخلطة أهل الباطل.
وسنرى كيف أن سورة البقرة بأقسامها كلها، إنما تدل على الطريق ليكون الإنسان من الفئة الأولى. فئة الإيمان والتقوى، ولذلك فإن القسم الأول يبدأ بقوله تعالى:
يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ وهذا حديث سيأتي فلنبق الآن في أجواء مقدمة سورة البقرة.