(أ) أخرج الترمذي عن أبي موسى الأشعري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«إن الله عزّ وجل خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن والخبيث والطيب» قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. أقول: وهو نص في كون آدم لم يتطور عن شئ سبقه، ولنا عودة على هذا الموضوع، وأخرج مسلم والنسائي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها» وأخرج الحاكم عن ابن عباس قال: «ما أسكن آدم الجنة إلا ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس» وقال الحسن: «لبث آدم في الجنة ساعة من نهار، تلك الساعة ثلاثون ومائة سنة من أيام الدنيا» وقال أبو موسى: «إن الله حين أهبط آدم من الجنة إلى الأرض علمه صنعة كل شئ، وزوده من ثمار الجنة، فثماركم هذه من ثمار الجنة غير أن هذه تتغير وتلك لا تتغير».
أخرج الحافظ أبو بكر بن مردويه عن أبي ذر قال:«قلت يا رسول الله أرأيت آدم أنبيا كان؟ قال: نعم. أنبيا رسولا يكلمه الله قبيلا» أي: عيانا.
(ب) يلاحظ من قصة آدم وموقف الملائكة من خلقه، كيف أن العلم المحيط تنكشف به من الأسرار والحكم ما لا ينكشف بغيره، وعلم الله أزلي ليس كمثله شئ، ولكن من قصة آدم نأخذ درسا وهو أنه كلما ازداد العلم كان الحكم أصح ففي حياتنا الدنيوية نجد كثيرين ليسوا مرشحين لإصدار أحكام في كثير من القضايا لعدم إحاطتهم بها، ومن ثم فإن أحكامهم تبقى قاصرة وهذا يجعلنا- وخاصة في أمر بناء الأمم واعتماد ما ينبغي اعتماده في شئون الحكم والعامة والخاصة- نتأنى كثيرا فلا نصدر حكما إلا بعد استيعاب شامل للقضية التي بين أيدينا.
(ج) يلاحظ أن الملائكة عند ما سئلوا عما لا يعلمون كان جوابهم سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا وهذا أدب رفيع أن يقول المسئول عن شئ لا يدريه: لا أدري. قال القرطبي: وذكر الهيثم بن جميل قال شهدت مالك بن أنس سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال: في اثنتين وثلاثين منها: لا أدري» وهو أدب نفيس. فقد اعتاد