وبين يديه. والقرآن مصدق لجميع كتب الله، لموافقته إياها في حال عدم تحريفها وتبديلها، ولتقريره ما دعت إليه من إخلاص العبادة والتوحيد لله وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (الأنبياء: ٢٥).
وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ. أي: ومهيمنا على الكتب السابقة لأنه تضمّن ما تضمنته وزاد عليها من الكمالات ما لا يعلمه ولا يحيط به إلا الله، والهيمنة يدخل في معناها الشهادة، والحكم، والائتمان. فالقرآن مؤتمن على الحق الموجود في الكتب السابقة، فكل ما خالفه مما هو موجود بين أيدي أصحابه الآن باطل، والقرآن شهيد على الحق الذي فيها، وحاكم على كل ما ينسب إليها، فهو يشهد للحق فيها بالصحة والثبات، ولغيره بالبطلان فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ. أي: بما في القرآن وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ هذا نهي أن يحكم بما حرّفوه، وبدّلوه، اعتمادا على قولهم، وقد تضمّن قوله تعالى: وَلا تَتَّبِعْ أي: ولا تنحرف، فلذا عدّاه بعن، فكأنه قيل:
ولا تنحرف عما جاءك من الحق متبعا أهواءهم، أو لا تنحرف عادلا عما جاءك من الحق اتباعا لأهوائهم لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ أيها الناس شِرْعَةً. أي: شريعة وَمِنْهاجاً. أي: وطريقا واضحا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً. أي:
جماعة متفقة على شريعة واحدة وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ. أي: ولكن أراد أن يعاملكم معاملة المختبر فيما آتاكم من الشرائع المختلفة، فتعبّد كلّ أمّة بما اقتضته الحكمة، حتى أنزل هذا القرآن فتعبّد النّاس جميعا به فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ. أي:
فابتدروها، وسابقوا نحوها قبل الفوات بالوفاة والمراد بالخيرات: كل ما أمر الله تعالى به في شريعة محمد صلّى الله عليه وسلّم إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً هذا تعليل لاستباق الخيرات فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ. أي: فيخبركم بما لا تشكون معه من الجزاء الفاصل بين محقكم، ومبطلكم، وعاملكم ومفرّطكم في العمل.
وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ هذا تأكيد للأمر بوجوب الحكم بما أنزل الله وحده وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ كائنة ما كانت هذه الأهواء، متلبسة بالدين أو بغيره وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ حذّره وهو رسول مأمون معصوم لتقتدي به أمته، ولتقطع أطماع أهل الأهواء فَإِنْ تَوَلَّوْا أي: عن الحكم بما أنزل الله إليك، وأرادوا غيره فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ. أي: بذنب التولي عن حكم الله، وإرادة خلافه، فوضع ببعض ذنوبهم موضع ذلك، وهذا الإبهام لتعظيم التولي، وفيه تعظيم الذّنوب فإن الذنوب بعضها مهلك، فكيف بكلّها. دلّت