منهم الشيخ أبو منصور الصباغ في كتابه (الشامل) الحكاية المشهورة عن العتبي.
قال: كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ... الآية، وقد جئتك مستغفرا لذنبي، مستشفعا بك إلى ربي ثم أنشأ يقول:
يا خير من دفنت في القاع أعظمه ... فطاب من طيبهن القاع والأكم
ثم انصرف الأعرابي، فغلبتني عيني، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال:«يا عتبي الحق الأعرابي، فبشره أن الله قد غفر له». وشاهدنا أن ابن كثير ذكر هذه الحادثة دون تعليق مما يدل على أنه يعتبر أن الآية حكمها لا زال باقيا في جواز مخاطبة رسول الله ليستغفر الله لطالب ذلك.
فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ. أي: فو ربك لا يؤمنون حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ. أي: فيما وقع بينهم من اختلاف واختلاط. ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ. أي: لا يجدون ضيقا أو شكا، لأن الشاك في ضيق من أمره حتى يلوح له اليقين. فكما فرض الله علينا الرضوخ لحكم رسوله صلى الله عليه وسلم فقد حرم علينا أن تضيق صدورنا بحكمه وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً. أي: وينقادوا لقضائك انقيادا لا شبهة فيه بظاهرهم وباطنهم، والمعنى: لا يكونون مؤمنين حتى يرضوا بحكمك وقضائك.
[فائدة في سبب النزول]
روى البخاري عن عروة قال:«خاصم الزبير رجلا في شراج الحرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك، فقال الأنصاري: يا رسول الله! أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، ثم أرسل الماء إلى جارك، فاستوعى النبي صلى الله عليه وسلم للزبير حقه في صريح الحكم، حين أحفظه الأنصاري، وكان أشار عليهما صلى الله عليه وسلم بأمر لهما فيه سعة.
قال الزبير: فما أحسب هذه الآية إلا نزلت في ذلك: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ ...
الآية» وروى الحافظ أبو إسحاق بن عبد الرحمن في تفسيره عن حمزة: أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى للمحق على المبطل، فقال المقضي عليه: لا أرضى، فقال صاحبه فما تريد؟ قال: أن تذهب إلى أبي بكر الصديق فذهبا إليه، فقال الذي قضي له: قد اختصمنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى لي، فقال أبو بكر: