للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآية التي مرّت معنا آنفا: وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ إنك إذا تأملت هذه الآية وتأملت ما ذكرناه من سورة البقر فإنّك تجد واضحا ما ذكرناه من أنّ سورة العنكبوت تفصّل في مقدمة سورة البقرة، وفي امتدادات معانيها الأشدّ لصوقا بها.

٢ - لقد جاء النهي عن مجادلة أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن في سياق هذه السورة التي تتحدث- في سياقها الرئيسي- عن الامتحان، وذلك يفيد أنّ علينا ألّا نتخلى عن آدابنا في كل الظروف، ومن ذلك طريقة خطابنا لأهل الكتاب في المحنة وفيما قبلها وفيما بعدها.

....

نقول: [عن صاحب الظلال والألوسي حول النهي عن مجادلة أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن]

عند قوله تعالى:

وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ، وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ...

قال صاحب الظلال:

(إن دعوة الله التي حملها نوح- عليه السلام- والرسل بعده حتى وصلت إلى خاتم النبيين محمد- صلّى الله عليه وسلم- لهي دعوة واحدة من عند إله واحد، ذات هدف واحد، هو ردّ البشرية الضالة إلى ربها، وهدايتها إلى طريقه، وتربيتها بمنهاجه. وإن المؤمنين بكل رسالة لإخوة للمؤمنين بسائر الرسالات: كلهم أمة واحدة، تعبد إلها واحدا.

وإن البشرية في جميع أجيالها لصنفان اثنان: صنف المؤمنين وهم حزب الله. وصنف المشاقّين لله وهم حزب الشيطان، بغضّ النظر عن تطاول الزمان وتباعد المكان. وكل جيل من أجيال المؤمنين هو حلقة في تلك السلسلة الطويلة الممتدة على مدار القرون.

هذه هي الحقيقة الضخمة العظيمة الرفيعة التي يقوم عليها الإسلام؛ والتي تقررها هذه الآية من القرآن؛ هذه الحقيقة التي ترفع العلاقات بين البشر عن أن تكون مجرد علاقة دم أو نسب، أو جنس، أو وطن، أو تبادل، أو تجارة. ترفعها عن هذا كله لتصلها بالله، ممثلة في عقيدة واحدة تذوب فيها الأجناس والألوان؛ وتختفي فيها القوميات والأوطان؛ ويتلاشى فيها الزمان والمكان. ولا تبقى إلا العروة الوثقى في الخالق الديان.

<<  <  ج: ص:  >  >>