يجتمعون فيهما، والتسبيح من جملة الذكر، وخصّه الله بالذكر إبانة لفضله، لأن معناه تنزيه ذات الله تعالى عما لا يجوز عليه من الصفات، ويدخل في الذكر الصلوات، وقراءة القرآن، ومجالس العلم، والتسبيح، والتهليل، والتحميد، والتكبير، والاستغفار، والصلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، والدعاء، والطاعات عامّة، والعبادات، وهناك حدّ أدنى من الذكر هو الفرائض، والحد الأعلى منه لا حدّ له، ولا بدّ لمريد الله تعالى من إقامة الفرائض، وأن يخصص لنفسه حدا من الأوراد والطاعات يداوم عليه. تلك كانت سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأهل بيته، كما سنرى
هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ أي هو الذي يرحمكم، ويرأف بكم وَمَلائِكَتُهُ يدعون لكم لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ من ظلمات المعصية، إلى نور الطاعة، ومن ظلمات الكفر، إلى نور الإسلام، ومن ظلمات الشك والحيرة، إلى نور اليقين والطمأنينة، ومن ظلمات الحس، إلى نور الغيب، ومن ظلمات النفس، إلى نورانية القلب، ومن ظلمات الضلال، إلى نور الهداية وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً، أما الكافرون فإنه يعاملهم بعدله في الآخرة. وفي ختم الآية بهذا دليل على أن المراد بالصلاة في هذه الآية الرحمة، فالله رحيم بعباده المؤمنين في الدنيا والآخرة، قال ابن كثير:(أمّا في الدنيا فإنّه هداهم إلى الحق الذي جهله غيرهم، وبصّرهم الطريق الذي ضلّ عنه وحاد عنه من سواهم، من الدعاة إلى الكفر أو البدعة، وأتباعهم من الطغام، وأمّا رحمته بهم في الآخرة فأمّنهم من الفزع الأكبر، وأمر ملائكته يتلقونهم بالبشارة بالفوز بالجنة، والنّجاة من النار، وما ذاك إلا لمحبته تعالى لهم، ورأفته بهم)
تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ أي يرونه يوم القيامة سَلامٌ أي يقول لهم تبارك وتعالى: السلام عليكم وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً أي الجنة وما فيها من المآكل والمشارب، والملابس والمساكن، والمناكح والملاذ، والمناظر مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
...
[كلمة في السياق]
قلنا: إن مقاطع سورة الأحزاب تفصّل بالتناوب في سورة النساء، وفي سورة المائدة، وهذا المقطع يفصّل في سورة المائدة، فلنتذكر محور سورة المائدة الذي جاء فيه قوله تعالى: يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ الَّذِينَ