- في الآية الأولى، مثل ضربه الله لتضعيف الثواب لمن أنفق في سبيله، وأن الحسنة تضاعف إلى سبعمائة ضعف. وصيغ هذا المعنى بصيغة مثل: كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ. ليكون أبلغ في النفوس. فإن في هذا إشارة إلى أن الأعمال الصالحة ينميها الله عزّ وجل لأصحابها، كما ينمي الزرع لمن بذره في الأرض الطيبة، ثم بين الله عزّ وجل أنه يضاعف الحسنات لمن يشاء بحسب إخلاصه بعمله، وأن فضله واسع كثير. وأنه عليم بمن يستحق، ومن لا يستحق.
- وفي الآية الثانية، يمدح تبارك وتعالى الذين ينفقون أموالهم في سبيله ثم لا يتبعون ما أنفقوا في الخيرات، والصدقات منا على من أعطوه. فلا يمنون به على أحد، لا بقول، ولا بفعل. ولا يؤذونه، بأن يفعلوا مع من أحسنوا إليه مكروها. وبين أن من كان كذلك، فله الجزاء الجزيل؛ الذي عبر عنه تعالى بقوله: لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ: أي ثوابهم على الله، لا على سواه. ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه من أهوال يوم القيامة، ولا هم يحزنون على ما خلفوه من الأولاد، ولا ما فاتهم من الحياة الدنيا وزهرتها. لا يأسفون عليها؛ لأنهم صاروا إلى ما هو خير لهم من ذلك. وهذه العبارة تستعمل في القرآن عادة، في معرض مكافأة أولياء الله، فدل ذلك على أن من أنفق فلم يمن ولم يؤذ؛ كان من أولياء الله. فهذا المقام إذن، مقام ولاية.
- وفي الآية الثالثة بين الله عزّ وجل أن القول المعروف، كالكلمة الطيبة، للمسلم. وأن العفو عن أخيك، إذا ظلمك ظلما قوليا، أو فعليا، خير في ميزان الله، من الصدقة المتبوعة بالأذى، ثم وصف الله عزّ وجل ذاته بأنه غني عن عباده؛ فلم يأمرهم بالنفاق افتقارا. فهو يخلف على من أنفق من خزائنه الملأى، وأنه حليم يحلم عنهم ويغفر ويصفح، ويتجاوز عن عباده إن شاء.