الواجب الثاني هو الدية لأهل القتيل عوضا لهم عما فاتهم من قتيلهم؛ ومعنى التحرير: الإعتاق، والمراد بالرقبة هنا النسمة المسترقة. ومعنى قوله تعالى: وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ أي: ودية مؤداة إلى ورثته يقتسمونها كما يقتسمون الميراث. قال النسفي:
لا فرق بينها وبين سائر التركة في كل شئ، فيقضى منها الدين، وتنفذ الوصية، وإذا لم يبق وارث فهي لبيت المال وقد ورث رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة أشيم الضبابي من عقل زوجها أشيم. إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا. أي: إن هذه الدية واجبة لورثة القتيل إلا أن يتصدقوا بالدية، فالدية واجبة في كل حال، إلا في حال التصدق بها من الورثة.
فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ. أي: فإن كان المقتول خطأ من قوم كفار وَهُوَ مُؤْمِنٌ. أي: والمقتول مؤمن فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ. هذه هي الكفارة في هذه الحالة، وصورتها: لو أسلم إنسان في دار الحرب ولم يهاجر إلينا، فقتله مسلم خطأ، تجب الكفارة بقتله، للعصمة المؤثمة وهي الإسلام، ولا تجب الدية لأن العصمة المقومة بالدار لم توجد. قال ابن كثير في تفسيرها: أي إذا كان القتيل مؤمنا، ولكن أولياءه من الكفار أهل الحرب فلا دية له، وعلى القاتل تحرير رقبة مؤمنة لا غير.
وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ. أي: فإن كان أولياء القتيل أهل ذمة أو هدنة، فلهم دية قتيلهم المؤمن كاملة، ويجب على القاتل أيضا تحرير رقبة مؤمنة. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ. أي: رقبة يعتقها إما لفقره وعجزه عن التملك. أو لعدم وجود الأرقاء كما في عصرنا. فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ. أي: فعليه بدل العتق صيام شهرين متتابعين، أي لا إفطار بينهما، بل يسرد صومهما إلى آخرهما، فإن أفطر من غير عذر من مرض أو حيض أو نفاس، استأنف. واختلفوا في السفر هل يقطع أم لا؟ على قولين. هذا كلام ابن كثير.
تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً. أي: هذه توبة القاتل خطأ، إذا لم يجد العتق صام شهرين متتابعين. واختلفوا فيمن لا يستطيع الصيام هل يجب عليه إطعام ستين مسكينا كما في كفارة الظهار؟ على قولين، أحدهما: نعم وإنما لم ينص عليه هنا لأن المقام مقام تهديد وتخويف وتحذير. والمعنى: شرعه الله ذلك توبة لكم، رحمة منه وقبولا وهو العليم إذ يأمر، الحكيم إذ يقدر ويشرع.
وبعد أن بين الله انتفاء القتل العمد عن المؤمن، وبين حكم القتل الخطأ، شرع في بيان حكم القتل العمد حال وقوعه فقال: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً. أي قاصدا قتله فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ أي: انتقم منه وطرده من رحمته. وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً