للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمكان عجيب، وهو تعليل لإنكار التعجب، كأنه قيل: إياك والتعجب لأن أمثال هذه الرحمة والبركة متكاثرة من الله عليكم إِنَّهُ حَمِيدٌ أي محمود في جميع أفعاله وأقواله مَجِيدٌ أي ممجد في صفاته وذاته

فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ أي الفزع وهو ما أوجس من الخيفة وَجاءَتْهُ الْبُشْرى بالولد يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ أي لما اطمأن بعد الخوف، وملئ سرورا بسبب البشرى، فزع إلى المجادلة

إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ هذا ثناء على إبراهيم بهذه الصفات الثلاثة: الحليم: وهو غير العجول على كل من أساء إليه، أو كثير الاحتمال ممن آذاه، الصفوح عمن عصاه، والأواه: وهو كثير التأوه من خوف الله، والمنيب: وهو التائب الراجع إلى الله، وهذه الصفات دالة على رقة القلب والرأفة والرحمة، بينت الآية أن ذلك هو الذي حمله على المجادلة فيهم رجاء أن يرفع العذاب، ويمهلوا لعلهم يتوبون،

فجاءه الجواب يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا أي وإن كانت الرحمة ديدنك فدع الجدال في هذا الأمر إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ أي قضاؤه وحكمه أي إنه قد نفذ فيهم القضاء وحقت عليهم الكلمة بالهلاك، وحلول البأس الذي لا يرد عن القوم المجرمين وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ أي لا يرد بجدال وغير ذلك

وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً بعد أن خرجوا من عند إبراهيم متوجهين إلى قوم لوط سِيءَ بِهِمْ أي حزن لأنه حسب أنهم إنس ورأى هيئاتهم وجمالهم، وخاف عليهم خبث قومه، وأن يعجز عن مقاومتهم ودفعهم وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً أي وضاق بمكانهم صدره، إذ خشي إن ضيفهم ألا يقدر على حمايتهم، وإن لم يضيفهم أن يضيفهم أحد من قومه فينالهم بسوء وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ أي شديد بلاؤه قال صاحب الظلال:

(لقد كان يعرف قومه. ويعرف ما أصاب فطرتهم من انحراف وشذوذ عجيبين.

إذ يتركون النساء إلى الرجال، مخالفين الفطرة التي تهتدي إلى حكمة خلق الأحياء جميعا أزواجا، كي تمتد الحياة بالنسل ما شاء لها الله، والتي تجد اللذة الحقيقية في تلبية نداء الحكمة الأزلية، لا عن تفكير وتدبير، ولكن عن اهتداء واستقامة.

والبشرية تعرف حالات مرضية فردية شاذة، ولكن ظاهرة قوم لوط عجيبة وهي تشير إلى أن المرض النفسي يعدي كالمرض الجسدي. وأنه يمكن أن يروج مرض نفسي كهذا نتيجة لاختلال المقاييس في بيئة من البيئات، وانتشار المثل السيئ، عن طريق إيحاء البيئة المريضة. على الرغم من مصادمته للفطرة، التي يحكمها الناموس الذي يحكم الحياة. الناموس الذي يقتضي أن تجد لذتها فيما يلبي حاجة الحياة لا فيما يصادمها

<<  <  ج: ص:  >  >>