ما رافق تكذيبها من عصيان، ورأينا نوعا جديدا من العذاب عوقبت به، وصلة ذلك بسياق السورة الخاص، وبمحور السورة لا تخفى فلا نطيل، والملاحظ أن قوله تعالى:
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ قد تكرر أربع مرات وراء القصص الأربع، وفي ذلك قال النسفي:(وفائدة تكرير فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ* وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ
لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ
أن يجددوا عند استماع كل نبأ من أنباء الأولين ادكارا واتعاظا، وأن يستأنفوا تنبها واستيقاظا إذا سمعوا الحث على ذلك والبعث عليه، وهذا حكم التكرير في قوله تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ* عند كل نعمة عدها، وقوله: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ* عند كل آية أوردها، وكذلك تكرير الأنباء والقصص في أنفسها لتكون تلك العبر حاضرة للقلوب، مصورة للأذهان، مذكورة غير منسية في كل أوان).
[تفسير الفقرة الخامسة]
وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ أي: الرسل أو الإنذارات
كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها أي: بالآيات التسع فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ أي: لا يغالب مُقْتَدِرٍ لا يعجزه شئ. قال ابن كثير:(فأبادهم الله ولم يبق منهم مخبر ولا عين ولا أثر).
[كلمة في السياق]
١ - ذكرت القصة الخامسة- باختصار- نموذجا جديدا على أمة أنذرت فكذبت فأهلكت، وبهذا تمت المجموعة الثانية، بعد أن ضربت لنا نماذج على أمم كذبت فأهلكت، ونماذج على أنواع من الهلاك، وتأتي الآن المجموعة الثالثة والأخيرة في السورة، وفيها خطاب لكفار هذه الأمة أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ ... ، فالمجموعة الثالثة إذن استمرار للمجموعة الثانية.
٢ - بدأت السورة بالكلام عن كفار هذه الأمة ومواقفهم، وذلك في مجموعتها الأولى، وثنت بذكر مكذبي الأمم السابقة وما أصابهم عقوبة لهم، ثم تأتي المجموعة الثالثة لتناقش هؤلاء الكافرين.
٣ - المجموعة الأولى عرضت مواقف كفار هذه الأمة، ولم تناقشهم، والمجموعة الثانية عرضت مواقف الأمم السابقة، وذكرت بالقرآن، ثم تأتي المجموعة الثالثة لتناقش كفار هذه الأمة، وتنذرهم، وتبشر المتقين: