للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نقصانان: أحدهما عدم الإحاطة بالشئ، والآخر نسيانه بعد علمه، فنزه الله عن ذلك، وذكر ذلك بعد قوله تعالى فِي كِتابٍ إشارة إلى أن الكتاب ليس خشية الخطأ

والنسيان، بل لحكم، منها أن يعلم الملائكة أن معمول الخلق يوافق معلومه عزّ وجل وأن الأمر في غاية الضبط، وفي ذلك تعليم للإنسان أن يضبط الأمور في كل حال بالكتابة، ثم يستأنف موسى التعريف على الله الذي بدأه بقوله: رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً .. ). هذه وجهة نظر ابن كثير في السياق وهو الذي يتفق مع ما استنتجناه من أن موسى- عليه السلام- فوت على فرعون فرصته في الفرار من الجواب الملزم، إلا أنه يمكن أن يفهم السياق فهما آخر وهو: أن يكون موسى أجاب فرعون على سؤاله الثاني المستكن في السؤال الأول ثم استمر بما يحقق الجواب عن السؤالين مفوتا الفرصة على فرعون في التقديرين من الفرار من الإلزام، وعلى هذا يكون السياق:

قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ، لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى، الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً .. فيكون قوله تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً .. تدليلا على أن الله عزّ وجل لا يضل ولا ينسى، وفي الوقت نفسه تعريفا على الله، فيكون الكلام الجديد متضمنا الإجابة عن السؤالين بآن واحد:

الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً أي بساطا وفراشا، أي صالحة للقرار والاستقرار والنوم والراحة وَسَلَكَ أي جعل لَكُمْ فِيها سُبُلًا أي طرقا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ أي من السحاب السَّماءِ أي مطرا فَأَخْرَجْنا بِهِ أي بالماء أَزْواجاً أصنافا مِنْ نَباتٍ شَتَّى أي مختلف، أي فأخرج الله بهذا الماء أنواع النباتات من زروع وثمار، ومن حامض وحلو ومر، بعضها للناس، وبعضها للبهائم التي تخدم الإنسان، والتي كثير من علفها هو مما يفضل عن حاجة الإنسان، مما لا يقدر الإنسان على أكله، وفي اختلاف منافع النباتات المختلفة واختلاف لونها ورائحتها وشكلها بما يخدم مصالح الإنسان دليل على أن هناك ذاتا هي التي سخرت كل شئ في هذه الأرض لصالح الإنسان، وفي كتابنا (الله جل جلاله) تحدثنا كثيرا عن ظاهرتي العناية والإرادة مستدلين بهما بما لا يقبل الجدل على وجود الله.

وبمناسبة قوله تعالى فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى قال صاحب الظلال:

(وقد شاء الخالق المدبر أن يكون النبات أزواجا كسائر الأحياء. وهي ظاهرة مطردة في

<<  <  ج: ص:  >  >>