فقها وعلما، كما يقتضي جرأة وشجاعة، كما يقتضي بعد نظر سياسي، كما يقتضي حكمة كبيرة.
نقول هذا بين يدي الفوائد التي سننقلها حول آيات الفقرة التي مرت معنا:
[فوائد]
١ - في الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظر في بعض أيامه التي لقي فيها العدو حتى إذا مالت الشمس قام فيهم فقال: «يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف». ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم وقال:«اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم». وروى عبد الرزاق ... عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاثبتوا، واذكروا الله، فإن ضجوا وصاحوا فعليكم بالصمت». وروى الحافظ أبو القاسم الطبري ... عن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا قال:«إن الله يحب الصمت عند ثلاث: عند تلاوة القرآن، وعند الزحف، وعند الجنازة». وفي الحديث الآخر المرفوع يقول الله تعالى:«إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني وهو مناجز قرنه» أي لا يشغله ذلك الحال عن ذكري ودعائي واستعانتي.
يلاحظ فيما نقلناه في هذه الفائدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالصمت عند الزحف، وهذه الوصية مهمة جدا، إذ الملاحظ أن كتب فن الحرب تشير إلى أن الصخب والهرج والضوضاء ليلة المعركة عند الجيش تدل على خوفه، وأنه لا يفعل ذلك إلا ليستر هذا الخوف، ويستشهدون على ذلك بحالات كثيرة، منها حالة جيش الفرس الذي كان يقوده دارا ضد الإسكندر المقدوني، فإنه كان في ليلة المعركة الفاصلة على غاية من الضوضاء، وحلت به الهزيمة في اليوم الثاني، فسبحان الله الذي علم رسوله صلى الله عليه وسلم، فهدانا إلى كل ما يلزمنا في أمر دنيانا وأخرانا. فلنتعلم الصمت، ولنبتعد عن الضجيج في شئوننا كلها.
٢ - البطر والرئاء الذي وصف الله به المشركين من أهل بدر هو ما عبر عنه أبو جهل عليه لعنة الله لما قيل له: إن العير قد نجت فارجعوا، فقال: لا، والله لا نرجع حتى نرد ماء بدر، وننحر الجزر، ونشرب الخمر، وتعزف علينا القيان، وتتحدث العرب