سننزل عليك قولا ثقيلا أي: القرآن لما فيه من الأوامر والنواهي، التي هي تكاليف شاقة، ثقيلة على المكلفين، أو ثقيلا على المنافقين، أو كلام له وزن ورجحان، ليس السفساف الخفيف). أقول: إن التخلق بالقرآن والقيام بأوامره وتعليم ذلك للناس، وتبليغهم إياه، وتربيتهم عليه، كل ذلك ثقيل على النفس البشرية، ولا يخفف عبء هذا الحمل إلا صلة عظيمة بالله عزّ وجل، ولذلك جاء قوله تعالى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا، وكأنه تعليل للأمر بقيام الليل، وترتيل القرآن فيه، فعلى كل من يتصدر للدعوة إلى الله عزّ وجل وتربية الخلق أن يكون له حظ من قيام الليل،
ثم قال تعالى: إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ أي: قيام الليل، أو العبادة التي تنشأ بالليل، أي:
تحدث أو ساعات الليل، وأوقاته لأنها تنشأ ساعة فساعة، قال ابن كثير: وكل ساعة منه تسمى ناشئة، وهي الآنات هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً أي: أثقل على المصلي من صلاة النهار لطرد النوم في وقته وَأَقْوَمُ قِيلًا أي: وأشد مقالا وأثبت قراءة لهدوء الأصوات، وانقطاع الحركات، قال ابن كثير: أي: أجمع للخاطر في أداء القراءة وتفهمها من قيام النهار، لأنه وقت انتشار الناس، ولغط الأصوات، وأوقات المعاش، وقال: والمقصود أن قيام الليل هو أشد مواطأة بين القلب واللسان وأجمع على التلاوة. أقول: في الآية
تعليل ثان للأمر بقيام الليل، وهو ثقله على النفس، وكونه أجمع للقلب على الله عزّ وجل، وبالتالي فهو أكثر تأثيرا وتقويما للنفس،
ثم قال تعالى: إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا أي: فراغا طويلا لنومك وراحتك، أو تصرفا وتقلبا في مهماتك وشواغلك، ففرغ نفسك في الليل لعبادة ربك، أقول: في هذه الآية تعليل ثالث للأمر بقيام الليل، وحض على هذا القيام، فالنهار كاف لقضاء الحاجات، وهو محلها العادي، فاجعله لقضاء حاجتك ولراحتك، وخل الليل الله
وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ قال النسفي:(أي: ودم على ذكره في الليل والنهار) وذكر الله يتناول التسبيح والتهليل والتكبير والصلاة وتلاوة القرآن ودراسة العلم، وقال ابن كثير:(أي: أكثر من ذكره، وانقطع إليه، وتفرغ لعبادته إذا فرغت من أشغالك، وما تحتاج إليه من أمور دنياك).
أقول: أي: اجمع بين قيام الليل والاشتغال بذكر اسم الله عزّ وجل، ثم قال تعالى: وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا قال النسفي: (انقطع إلى عبادته عن كل شئ، والتبتل: الانقطاع إلى الله تعالى بتأميل الخير منه دون غيره، وقيل رفض الدنيا وما فيها، والتماس ما عند الله، وما ذكره ابن كثير في تفسير التبتل يدور بين الإخلاص