كتبهم التي لم يكن يعلمها إلا أحبارهم وعلماؤهم، وما حرفه أوائلهم وأواخرهم، وبدلوه من أحكامهم التي كانت في التوراة. فأطلع الله رسوله صلى الله عليه وسلم في كتابه على ذلك، فكان في ذلك دليل على أن هذا القرآن من عند الله، وهو شاهد صدق على أن محمدا رسول الله لمن أنصف من نفسه، ولم يسر في هلاكها بأن سار في طريق الحسد والبغي، إذ كان في فطرة كل ذي فطرة سليمة تصديق من أتى بمثل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الآيات البينات من غير تعلم تعلمه من بشر، ولا أخذ شيئا منه من آدمي، بل هو أمي لم يقرأ كتابا ومع ذلك فهو يخبرهم بما في أيديهم على وجهه، فلهم في ذلك عبرة وبيان، وعليهم حجة لو كانوا يعلمون، وهذا بعض
الأمر من شأن هذا القرآن، فلا يكفر بعد ذلك بهذه الآيات وهذا القرآن العظيم إلا الفاسقون أي المتمردون من الكفرة، وفي ذلك إشارة إلى أن من لم يؤمن من أهل الكتاب فإنه فاسق عن أمر الله متمرد عليه.
عن ابن عباس قال: قال ابن صوريا القطويني لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا محمد: ما جئتنا بشيء نعرفه، وما أنزل الله عليك من آية بينة فنتبعك، فأنزل الله في ذلك قوله وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ، دلت الآية من خلال سبب نزولها ومن خلال لفظها على أن القرآن العظيم هو المعجزات القاطعات الدلالة، الواضحات البينات على رسالة رسولنا عليه الصلاة والسلام. فهو وحده كاف، ولا زال الخلق يكتشفون كل يوم جديدا من معجزاته، ومع ذلك فالله عزّ وجل قد أكرم رسوله صلى الله عليه وسلم بأنواع من المعجزات أخرى.
وبهذه الآية تنتهي المجموعة الثانية:
[كلمة في المجموعة الثانية وسياقها]
١ - استقرت هذه المجموعة على قوله تعالى وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ كما استقرت المجموعة السابقة على قوله تعالى: وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ لاحظ التشابه بين الآيتين الخاتمتين: موسى جاء بالبينات فظلموا بها، ومحمد جاء بالبينات فكفروا بها
ولقد استقرت كل من المجموعتين على آية فيها تقرير أن ما جاءهم كاف لإيمانهم، وكل من هاتين الآيتين قد جاء بعد حجج عليهم في شأن قضية الإيمان. وقد رأينا ذلك أثناء عرض المجموعتين.
٢ - لقد جاءت هذه المجموعة لتكمل الرد على اليهود الذين يرفضون الإيمان بالقرآن