إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى: أي اختار آدَمَ أبا البشر وَنُوحاً شيخ المرسلين وَآلَ إِبْراهِيمَ إسماعيل وإسحاق والصالحين من ذريتهما وَآلَ عِمْرانَ أم يحيى، وأم عيسى، ويحيى وعيسى وزكريا عَلَى الْعالَمِينَ على عالمي زمانهم.
ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ أي إن الآلين آل إبراهيم، وآل عمران ذرية واحدة متسلسلة، بعضها متشعب من بعض نسبا ودينا. وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ يسمع افتقار الحال والمقال فيصطفي؛ ويعلم من يصلح للاصطفاء.
[فائدة حول السياق]
بعد إذ قرر الله بهاتين الآيتين اصطفاءه لمن ذكر، وأن هذا الاصطفاء قائم على علم، تأتي الآن فقرتان معطوفتان على بعضهما، الأولى مبدوءة ب (إذ) والثانية ب (وإذ)، وفي كل منهما يبين الله- عزّ وجل- ما يشعر بحكمة الاصطفاء، فإذا اصطفى اصطفى بعلم.
[تفسير الفقرة الأولى]
إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ هي أم مريم، وجدة عيسى، وجدة يحيى رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً، المحرر: هو المعتق المفرغ الخالص للعبادة، وخدمة الله بخدمة بيت المقدس هنا، نذرت ألا يكون لأحد يد عليه، ولا يستخدم لغرض خاص، وهذا النوع من النذر كان مشروعا عندهم. والمعنى: إنى أوجبت لك أن يكون ما في بطني خالصا لعبادتك، وخدمة بيتك فَتَقَبَّلْ مِنِّي التقبل: أخذ الشئ على الرضا به، أي فتقبل مني نذري. إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ أي: السميع لدعائي، العليم بنيتي
فَلَمَّا وَضَعَتْها أي: فلما وضعت النسمة التي في بطنها فتبين لها أنها أنثى قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى قالت: هذا على وجه التحزن والتحسر، قال الله: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ أي: والله أعلم بالشئ الذي وضعت، وما علق به من عزائم الأمور، وأتمت أم مريم قولها بالاعتذار والتحزن وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى في القوة والجلد في العبادة وخدمة المسجد الأقصى.
وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ قال النسفي: وإنما ذكرت حنة- أي أم مريم- تسميتها مريم لربها لأن مريم في لغتهم العابدة، فأرادت بذلك التقرب والطلب إليه أن يعصمها حتى