رغبة في تحقيق هدف دنيوي من ورائها، وهذا أدب عظيم يجب أن يلاحظه وراث الأنبياء، وطلاب الوصول إلى رضوان الله، وإنه لا بد من أن يتربى الإنسان على التقوى لله وأن يعطي الطاعة لأهلها في الله، ثم إنه لا بد أن يلاحظ الدعاة ألا يطلبوا أجرا في مقابل الدعوة إلى الله، وهذه قضية مهمة جدا، قل من يلاحظ خفاياها في نفسه، وندر من يعطيها تطبيقاتها العملية، إن الصديقين وحدهم هم الذين يتفطنون لمثل هذه الشئون. وأما الرسل فالله عزّ وجل أعطاهم الكمال في كل شئ، وفي قول كل رسول: إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ دليل على أن تعريف الإنسان بنفسه لتحقيق مقصد أخروي، أو مقصد تحتاجه قضية الدعوة إلى الله لا يعتبر من باب تزكية النفس المكروهة. ولنعد إلى التفسير:
قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ قال ابن كثير: يقولون لا نؤمن لك ولا نتبعك، ولا نتأسى في ذلك بهؤلاء الأرذلين، الذين اتبعوك وصدقوك، وهم أراذلنا.
وقال النسفي في تفسير الأرذلون:(بأنهم السفلة ومن كلامه: والرذالة: الخسة والدناءة، وإنما استرذلوهم لاتضاع نسبهم، وقلة نصيبهم من الدنيا، وقيل كانوا من أهل الصناعات الدنيئة، والصناعة لا تزري بالديانة. فالغنى غنى الدين، والنسب نسب التقوى، ولا يجوز أن يسمى المؤمن رذلا، وإن كان أفقر الناس وأوضعهم نسبا .. ).
أقول: ومن كلامهم نعلم أن هناك ناسا يحول بينهم وبين الهدى تكبرهم عن أن يتبعوا رجلا التف حوله الفقراء والضعفاء جسما أو حالا
قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ أي إنما أطلب منهم الإيمان، ومن ثم فمهما كانوا عليه فلا يلزمني التنقيب عنهم والبحث والفحص، إنما علي أن أقبل منهم تصديقهم إياي، وأكل سرائرهم إلى الله عزّ وجل
إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ قال النسفي: قيل إنهم طعنوا مع استرذالهم في إيمانهم، وقالوا: إن الذين آمنوا بك، ليس في قلوبهم ما يظهرونه فقال: ما علي إلا اعتبار الظواهر دون التفتيش عن السرائر إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ إن الله يحاسبهم على ما في قلوبهم
وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ قال ابن كثير: كأنهم سألوا منه أن يبعدهم عنه ويتابعوه، فأبى عليهم ذلك. وقال النسفي: أي ليس من شأني أن أتبع شهواتكم بطرد المؤمنين طمعا في إيمانكم.
إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ أي إنما بعثت نذيرا، فمن أطاعني واتبعني وصدقني كان مني وأنا منه، سواء كان شريفا أو وضيعا، أو جليلا أو حقيرا. وقال النسفي (أي) ما علي إلا أن أنذركم