قُلْ صَدَقَ اللَّهُ في إخباره، وفيه تعريض بكذبهم أي ثبت أن الله صادق فيما أنزل، وأنتم الكاذبون. فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً. أي: مائلا عن الأديان الباطلة. أي إذ ثبت أن الله صادق فيما أخبر به بهذا القرآن، فاتبعوا ملة إبراهيم التي هي ملة الإسلام التي عليها محمد عليه السلام، ومن آمن معه حتى تتخلصوا من انحرافاتكم، وتعذيب أنفسكم.
وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أي كونوا موحدين مثله. وهذا دليل على أن هذه الآيات مرتبطة بسياق بداية القسم قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ.
[فوائد]
١ - روى الإمام أحمد عن ابن عباس قال: حضرت عصابة من اليهود إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: حدثنا عن خلال نسألك عنهن لا يعلمهن إلا نبي. قال:«سلوني عما شئتم، ولكن اجعلوا لي ذمة الله وما أخذ يعقوب على بنيه لئن أنا حدثتكم فعرفتموه لتتابعني على الإسلام» قالوا: فذلك لك، قالوا: أخبرنا عن أربع خلال. أخبرنا أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه؟ وكيف ماء المرأة وماء الرجل؟، وكيف يكون الذكر منه والأنثى؟، وأخبرنا بهذا النبي الأمي في النوم، ومن وليه من الملائكة؟. فأخذ عليهم العهد لئن أخبرهم ليتابعنه فقال:«أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن إسرائيل مرض مرضا شديدا وطال سقمه فنذر لله نذرا لئن شفاه الله من سقمه ليحرمن أحب الطعام والشراب إليه، وكان أحب الطعام إليه لحم الإبل، وأحب الشراب إليه ألبانها؟» فقالوا: اللهم نعم. فقال: اللهم اشهد عليهم. وقال:
«أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض غليظ، وماء المرأة أصفر رقيق، فأيتهما علا كان له الولد والشبه بإذن الله، إن علا ماء الرجل ماء المرأة كان ذكرا بإذن الله، وإن علا ماء المرأة ماء الرجل كان أنثى بإذن الله؟ قالوا: نعم قال: اللهم اشهد عليهم، قال: وأنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن هذا النبي الأمي تنام عيناه ولا ينام قلبه؟ قالوا: اللهم نعم قال:
اللهم اشهد عليهم، قال: وإن وليي جبريل، ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه قالوا:
فعند ذلك نفارقك، ولو كان وليك غيره لتابعناك، فعند ذلك قال الله: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ ... الآية.