للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فوائد]

١ - يفسر العلماء قوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ بأن المراد بالوجه هنا الذات. ولبعضهم اتجاه آخر في تفسير الآية. وقد نقل ابن كثير هذه الاتجاهات فقال وقوله كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ إخبار بأنه الدائم الباقي الحي القيوم الذي تموت الخلائق ولا يموت، كما قال تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ معبر بالوجه عن الذات وهكذا قوله هاهنا كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ أي إلا إياه وقد ثبت في الصحيح من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد: ألا كل شئ ما خلا الله باطل» وقال مجاهد والثوري في قوله: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ أي إلا ما أريد به وجهه، وحكاه البخاري في صحيحه كالمقرر له. قال ابن جرير: ويستشهد من قال ذلك بقول الشاعر:

أستغفر الله ذنبا لست محصيه ... رب العباد إليه الوجه والعمل

وهذا القول لا ينافي القول الأول فإن هذا إخبار عن كل الأعمال بأنها باطلة إلا ما أريد به وجه الله تعالى من الأعمال الصالحة المطابقة للشريعة، والقول الأول مقتضاه أن كل الذوات فانية وزائلة إلا ذاته تعالى وتقدس، فإنه الأول والآخر، الذي هو قبل كل شئ وبعد كل شئ.

٢ - وبمناسبة قوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ذكر ابن كثير ما ذكره ابن أبي الدنيا في كتاب (التفكر والاعتبار) بسنده إلى الوليد قال: كان ابن عمر إذا أراد أن يتعاهد قلبه يأتي الخربة، فيقف على بابها، فينادي بصوت حزين فيقول: أين أهلك؟ ثم يرجع إلى نفسه فيقول: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ.

٣ - ونختم الفوائد بتعليقات للنسفي حول معان في قصة قارون قال: قال سهل ما نظر أحد إلى نفسه فأفلح، والسعيد من صرف بصره عن أقواله وأفعاله وفتح له سبيل رؤية منة الله تعالى عليه في جميع الأفعال والأقوال، والشقي من زين في عينه أفعاله وأقواله وأحواله، ولم يفتح له سبيل رؤية منة الله، فافتخر بها وادعاها لنفسه، فشؤمه يهلكه يوما كما خسف بقارون لما ادعى لنفسه فضلا.

<<  <  ج: ص:  >  >>