للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل في القتيل إذا وجد في محلة قوم]

بمناسبة حادثة القتيل الذي أحياه الله بضربه ببعض البقرة، يثير المفسرون مجموعة مسائل: مسألة ما إذا قال القتيل دمي عند فلان ثم مات، ومسألة ما إذا وجد قتيل في مكان ولا يعرف له قاتل وما ثم شهود، أو كان شهود لكنهم نساء، أو كان شاهد واحد، وإنما بحثوا هذه المسائل هنا تفريعا على أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم ينسخه شرعنا وهو مذهب جماهير العلماء.

يعتبر مالك أن قول القتيل: قتلني فلان أو دمي عند فلان، أمارة كافية للحكم على المذكور، ومنع ذلك عامة الفقهاء؛ لاحتمال الخطأ والكذب، وعامة الفقهاء أوجبوا القسامة إذا وجد قتيل في محلة وفيه أثر القتل، والقسامة: أن يحلف خمسون يمينا أنهم ما قتلوا ولا يعرفون له قاتلا، ولا يحلف في القسامة أقل من خمسين يمينا، فإن كانوا أقل من ذلك، أو نكل منهم من لا يجوز عفوه، ردت الأيمان عليهم بحسب عددهم، وهناك خلاف في كيفية الحكم بها: إذ ترى طائفة أن يبدأ فيها المدعون بالأيمان فإن حلفوا استحقوا وإن نكلوا حلف المدعى عليهم خمسين يمينا وبرءوا، وذهبت طائفة إلى أنه يبدأ بالأيمان المدعى عليهم فيحلفون ويبرءون، وهل يكون بالقسامة القصاص أو الدية؟ الراجح أن يكون فيها الدية ولا قصاص.

وأوجب الثوري والكوفيون القسامة بوجود القتيل فقط، واستغنوا عن مراعاة قول المقتول وعن الشاهد، قالوا: إذا وجد قتيل في محلة قوم، وبه أثر حلف أهل ذلك الموضع أنهم لم يقتلوه ويكون عقله- أي ديته- عليهم، وإذا لم يكن به أثر لم يكن على العاقلة شئ إلا أن تقوم البينة على واحد، وذهب مالك والشافعي: إلى أن القتيل إذا وجد في محلة قوم أنه هدر لا يؤخذ به أقرب الناس دارا؛ لأن القتيل قد يقتل ثم يلقى على باب قوم ليلطخوا به، فلا يؤاخذ بمثل ذلك، حتى تكون الأسباب التي شرطوها في وجوب القسامة وهي عند مالك إما دعوى القتيل أو شهادة امرأتين أو شهادة عدل.

[فصل في التحريفيين من هذه الأمة]

رأينا تفسير قوله تعالى أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ، ورأينا كيف أن الله عزّ وجل قطع عنا الطمع بإيمان أهل الكتاب؛ بسبب من هذه العقلية التحريفية للنصوص،

<<  <  ج: ص:  >  >>