وخلال مسيرة التاريخ الإسلامي وجد بين المسلمين طوائف، جعلت للقرآن باطنا يخالف الظاهر، وذلك كفر بإجماع المسلمين. هؤلاء حرفوا كلام الله وهم يعلمون حق العلم ماذا يعني كلام الله، فهؤلاء وقعوا فيما وقع فيه اليهود من قبل، وهؤلاء فيما يبدو يكاد ينقطع الأمل في عودتهم إلى الحق إلا بتوبتهم، فكما أن اليهود إذ وقعوا في هذه المفسدة ينقطع الطمع في إيمانهم، فهؤلاء وإن ادعوا أنهم هم خيار الناس، يكاد أن ينقطع الطمع في فيئهم إلى الله عزّ وجل، يدخل في ذلك كل طوائف الباطنية الذين يعطون الإمام حق الفهم الباطن للنصوص، وبذلك عطلوا الصلاة والزكاة والصوم والحج وغير ذلك من الإسلام؛ إذ أعطوا كل النصوص فهما يخالف الظاهر، فسبقوا في ذلك اليهود أنفسهم، كما دخل في ذلك طوائف من المتصوفة يحملون النصوص ما لا تحتمله من معنى، وخرج من ذلك الذين يرون أن في القرآن من المعاني الدقيقة ما لا يحاط به، ويسمون هذه المعاني باطنا، فلا يتعارض عندهم ظاهر بباطن أي معنى دقيق مع معنى ظاهر، وكل ذلك على ضوء الأصول الصحيحة للفهم، كما خرج بذلك نوع من الوعظ هو بمثابة تداعي أفكار عند عرض آية يذكره أصحابه على أنه استطراد، أو على أنه فوائد تعرض بمناسبة الآية لا على أنه تفسير للآية وهذا مزلق قديم خطير.
قال النسفي في عقائده:«والنصوص على ظواهرها فالعدول عنها إلى معان يدعيها أهل الباطن إلحاد» قال التفتازاني تعليقا على هذه العبارة: «وأما ما يذهب إليه بعض المحققين من أن النصوص محمولة على ظواهرها، ومع هذا ففيها إشارات خفية إلى دقائق تنكشف لأرباب السلوك، ويمكن التطبيق بينها وبين الظواهر المرادة فهو من كمال الإيمان ومحض العرفان». ويقول ابن الصلاح في فتاواه «الظن بمن يوثق به من الصوفية أنه إذا قال شيئا من أمثال ذلك لم يذكره تفسيرا ولا ذهب به مذهب الشرح للكلمة المذكورة من القرآن العظيم فإنه لو كان كذلك لسلكوا مسلك الباطنية وإنما ذكر ذلك منهم لنظير ما ورد به القرآن فإن النظير يذكر بالنظير».
وقد شدد الشيخ محمد الفاضل بن عاشور على الألوسي في تفسيره إذ ذكر التفسير الإشاري فقال «قد فتح خرقا جديدا يقتضي أن هنالك طريقا لاستفادة المراد غير مقتضى الألفاظ وهو خروج عن قواعد أهل السنة: في أن الإلهام ليس من أسباب المعرفة، وإذا كانت تلك المعاني مقصودة فكأن غيرها حائل دونها وبذلك صح له أن يسمي الفقهاء والعلماء في كثير من المقامات بأهل الحجاب مما أثار على تفسيره الطامة الكبرى من العلماء».