والمسد الذي فتل من الحبال فتلا شديدا من ليف كان أو جلد أو غيرهما. أقول: قد اختلفت عبارات المفسرين في تفسير قوله تعالى حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ هل هذا وصف لها في الدنيا؟ وما المراد به إن كان الأمر كذلك؟ أو هو وصف لها في الآخرة وما المراد به إن كان الأمر كذلك؟ أو هو وصف لها في الدنيا والآخرة؟ وقد سرد ابن كثير الأقوال الواردة في ذلك متداخلة. فلننقل كلامه.
قال ابن كثير عند قوله تعالى: وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ:
(يعني تحمل الحطب فتلقي على زوجها ليزداد على ما هو فيه وهي مهيأة لذلك مستعدة له فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ قال مجاهد وعروة من مسد النار، وعن مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والثوري والسدي: حمالة الحطب كانت تمشي بالنميمة، واختاره ابن جرير. وقال العوفي عن ابن عباس وعطية الجدلي والضحاك وابن زيد: كانت تضع الشوك في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن جرير: كانت تعير النبي صلى الله عليه وسلم بالفقر، وكانت تحتطب فعيرت بذلك، كذا حكاه ولم يعزه إلى أحد، والصحيح الأول والله أعلم. قال سعيد بن المسيب: كانت لها قلادة فاخرة فقالت: لأنفقنها في عداوة محمد، يعني فأعقبها الله منها حبلا في جيدها من مسد النار. وروى ابن جرير عن الشعبي قال:
المسد الليف، وقال عروة بن الزبير: المسد سلسلة ذرعها سبعون ذراعا، وعن الثوري: هو قلادة من نار طولها سبعون ذراعا، وقال الجوهري: المسد الليف، والمسد أيضا حبل من ليف أو خوص وقد يكون من جلود الإبل أو أوبارها ومسدت الحبل أمسده مسدا إذا أجد فتله.
وقال مجاهد: فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ أي: طوق من حديد ألا ترى أن العرب يسمون البكرة مسدا؟
وقد قال بعض أهل العلم في قوله تعالى فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ أي: في عنقها حبل في نار جهنم ترفع به إلى شفيرها ثم ترمى إلى أسفلها ثم كذلك دائما. قال أبو الخطاب بن دحية في كتابه التنوير: وقد روى ذلك وعبر بالمسد عن حبل الدلو كما قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب النبات: كل مسد رشاء. وأنشد في ذلك: