أي أحدث في الباطل صدعا بالأوامر التي أمرك الله بها كلها وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ استهانة بهم واحتقارا لشأنهم، وقد دلّت الآية في هذا السياق أن داء الأمم السابقة في تفريق الكتب لا يداويه إلا جهر أهل الحق بالحق كله
إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ أي بلّغ ما أنزل إليك من ربك، ولا تلتفت إلى المشركين، الذين يريدون أن يصدوك عن آيات الله بالاستهزاء والتحقير، ولا تخفهم؛ فإن الله كافيك إياهم، وحافظك منهم، إن هذه الآية جاءت بعد الأمر بالصدع، فهي وعد من الله عزّ وجل لرسوله صلّى الله عليه وسلّم، وتطمين وتثبيت بأنه معه إذا بلّغ
الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ عاقبة أمرهم يوم القيامة، دلّ ذلك على أنه لا يستهزئ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا مشرك كافر
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ فيك، أو في القرآن، أو في الله
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ أي فافزع فيما نابك إلى الله بالذكر الدائم وكثرة السجود؛ يكفك الله ويكشف عنك الغم
وَاعْبُدْ رَبَّكَ أي ودم على عبادة ربك حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ أي الموت يعني: ما دمت حيا فاشتغل بالعبادة، دلّ ذلك على أن باب العبادة واسع، فكل عمل هو طاعة لله عبادة، حتى المباح إذا رافقته نية صالحة، ومعنى الآيات الثلاثة: وإنا لنعلم يا محمد أنك يحصل لك من أذاهم ضيق صدر وانقباض فلا يهمنّك ذلك، ولا يثنينّك عن إبلاغك رسالة الله، وقابل ذلك بالتسبيح والسجود، فإن الله يفرج عنك، واستمر على عبادة الله حتى تموت، دلّ ذلك على أن رجل الدعوة إذا لم يقابل الإيذاء بالسجود والتسبيح فإنه لا يستطيع الاحتمال والاستمرار، فالسجود والتسبيح هما زادا رجل الدعوة.
ملاحظة:[حول تحديد مكانة سورة الحجر بالنسبة لما بعدها بمدى تشابهها بسورة الأعراف]
مما يفيد في تحديد مكانة سورة الحجر بالنسبة لما بعدها أن نشير إلى هذا التشابه بين سورة الحجر وسورة الأعراف.