قال النسفي: بلى من كسب شركا؛ وسدت عليه مسالك النجاة بأن مات على شركه (أي فهذا الذي أحاطت به خطيئته) فأما إذا مات مؤمنا فأعظم الطاعات وهو الإيمان معه فلا يكون الذنب محيطا به؛ فلا يتناوله النص، وبهذا التأويل يبطل تشبث المعتزلة والخوارج.
وقيل في تفسير إحاطة الخطيئة: أي استولت عليه كما يحيط العدو ولم يتخلص منها بالتوبة.
وعلى كل حال فإن الخطايا، ولو لم تكن كفرا، فإنها بريد الكفر، فإذا سار الإنسان في طريق الخطايا، فإنه بذلك يجني على قلبه شيئا فشيئا حتى يصل إلى الكفر عند ما تحيط به الخطايا.
أخرج الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه» وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهم مثلا كمثل قوم نزلوا بأرض فلاة، فحضر صنيع القوم، فجعل الرجل ينطلق فيجئ بالعود، والرجل يجئ بالعود؛ حتى جمعوا سوادا وأججوا نارا؛ فأنضجوا ما قذفوا فيها» وفي هذا الموضوع نصوص كثيرة سنراها.
[كلمة في الفقرة الأولى]
- بينت هذه الفقرة أن لليهود عقيدة هي أنهم يتصورون أنهم لن يدخلوا النار إلا أياما معدودة، وبسبب من هذه العقيدة فعامتهم غلبتهم الأماني الكاذبة، وهم وراء علمائهم، وعلماؤهم كذابون على الله منافقون، ويحرفون الكلم عن مواضعه، فكتاب الله يحرفونه ويزيدون على ذلك الاختلاق على الله، وناس هذا شأنهم لا طمع في إيمانهم، ومن ثم فإن هذه الفقرة قطعت الطريق على حسن الظن باليهود ما دامت طبيعتهم على هذه الشاكلة، والطريق أمامهم مفتوح إذا أرادوا الإيمان، وقد حدده الله عزّ وجل في مدخل المقطع، ولكن أن يتوهم المسلمون في هذا الشأن فذلك شئ آخر، وبهذا أعطت الفقرة المسلمين دروسا: درسا في انحرافات أمة عن دين الله، ودرسا في حدود حسن الظن بهذه الأمة، ودرسا في أن على المسلمين ألا يقعوا فيما وقعت فيه هذه الأمة، وألا يسيروا فيه، وللأسف فإن كثيرا من الفرق التي انشقت عن جسم الأمة الإسلامية كان سبب ضلالها هو غياب درس هذه الفقرة عنها.
- بعد أن بينت هذه الفقرة محل اليهود في قضية الإيمان بالإسلام فإن السياق الآن سيتجه لإقامة الحجة عليهم في قضية الإيمان هذه.