للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ أي يختارونها ويؤثرونها ويقدمونها عليها، ويعملون للدنيا وينسون الآخرة، ويتركونها وراء ظهورهم وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي عن دينه والدعاة إليه وَيَبْغُونَها عِوَجاً أي ويطلبون لسبيل الله زيغا واعوجاجا، وما هم بواجدين فيها شيئا من ذلك، ولكنه الحقد عليها واللؤم من طبائعهم، قال ابن كثير في تفسيرها: (أي ويحبون أن تكون سبيل الله عوجا أي مائلة حائلة، وهي مستقيمة في نفسها، لا يضرها من خالفها ولا من خذلها، فهم في ابتغائهم ذلك في جهل وضلال بعيد من الحق لا يرجى لهم- والحالة هذه- صلاح) ومن ثم ختم الله الآية بقوله أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ أي عن الحق، وقد وصف الضلال بالبعد مع أن البعد للضال، لأنه هو الذي يباعد صاحبه عن طريق الحق، ولأن فعل الضلال ملازم له لا يفارقه

وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ أي إلا متكلما بلغتهم، وهذا من لطفه تعالى بخلقه، أنه يرسل إليهم رسلا منهم بلغاتهم ليفهموا منهم ما يريدون، وما أرسلوا به إليهم لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ما هو مبعوث له وبه، فلا يكون لهم حجة على الله، ولا يقولون له لم نفهم ما خوطبنا به فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ من آثر سبب الضلالة وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ من آثر سبب الاهتداء بعد البيان وإقامة الحجة وَهُوَ الْعَزِيزُ فلا يغالب على مشيئته الْحَكِيمُ في أفعاله فيضل من يستحق الإضلال، ويهدي من هو أهل لذلك، ولا يخذل إلا أهل الخذلان، ويوفق من يستحق التوفيق بفضله ومنه.

[كلمة في السياق]

رأينا أن محور سورة إبراهيم عليه السلام هو قوله تعالى في سورة البقرة اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ وقد بدأت سورة إبراهيم بأن بينت أن الله عزّ وجل قد أنزل هذا القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم من أجل أن يخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم، فإذا كان الله عزّ وجل قد أجمل في سورة البقرة موضوع الإخراج من الظلمات إلى النور، فههنا فصل ذاكرا الأسباب، إن عملية الإخراج من الظلمات إلى النور إنما تتم بالقرآن بواسطة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الإخراج إلى النور إنما يكون بالسير في صراط الله عزّ وجل، فالنور هو صراطه المستقيم، ومن هذه البداية ندرك أن السورة فيها تفصيل لموضوع الخروج من الظلمات إلى النور.

<<  <  ج: ص:  >  >>