للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقصوص، أو بمعنى الاقتصاص. واشتقاق القصص من قص أثره إذا اتبعه، لأن الذي يقص الحديث يتبع ما حفظ منه شيئا فشيئا، وعلى أن معنى القصص: الاقتصاص، يكون المعنى: نحن نقص عليك أحسن الاقتصاص، والمقصوص يدل عليه ما بعده.

والمراد بأحسن الاقتصاص أنه اقتص على أبدع طريقة وأعجب أسلوب، فإنك لا ترى اقتصاصه في كتب الأولين مقاربا لاقتصاصه في القرآن، وعلى أن معنى القصص المقصوص يكون المعنى: نحن نقص عليك أحسن ما يقص من الأحاديث. وإنما كان أحسن لما يتضمن من العبر والحكم والعجائب، عدا عن كونه حقا وواقعيا بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أي بإيحائنا إليك هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ أي من قبل الوحي لَمِنَ الْغافِلِينَ يعني وإن الشأن والحديث إنك كنت من قبل إيحائنا إليك هذا القرآن من الجاهلين به.

[فوائد]

١ - من الأسباب التي تجعل القصص القرآني أحسن القصص أن غيره إما واقعي، أو خيالي. فإن كان خياليا فإنه لا يصلح أن يكون هاديا ولا موجها، ولا يصلح أن يكون ميزانا يوضع فيه كل شئ في محله، من عواطف، وعقلانيات، وغير ذلك، وإن كان واقعيا فقد يغيب بعضه أو يزاد عليه، أو لا يكون مغطيا للموضوع بما يشمل الزمان والمكان، والغيب والشهادة، والدنيا والآخرة. أما القصة القرآنية فنجدها قد استكملت ما لم يستكمل في غيرها، هذا مع كونها جاءت بأبلغ عبارة، وأعظم أسلوب وأوجز عرض، هذا مع أنك تجد في كل آية من المعاني والتوجيهات والهداية ما لا يحيط به إلا الله الذي أنزله.

٢ - في قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ دليل على أن التذكر الكامل لا يكون إلا بهذا القرآن، فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أكمل الخلق فطرة، وأصفاهم قلبا، وأعظمهم عقلا. كان من قبل القرآن غافلا، فما بال غيره! فلا تذكر إلا بهذا القرآن. وبهذا الوحي. وكل طريق آخر للتذكير طريق قاصر، ومن مظاهر الكمال في تذكير القرآن أنه يذكر بالغيب والشهادة في شئون الدنيا والآخرة، بما يسع الخلق، ويدل على الخالق بما يسع النفس والعقل والقلب والروح ...

٣ - ورد في أسباب نزول قوله تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ ... أكثر من رواية ذكرها ابن كثير وهذه هي مع حذف

<<  <  ج: ص:  >  >>