قال النسفي: يعني أن الشقاء في الآخرة هو عقاب من ضل في الدنيا عن طريق الدين، فمن اتبع كتاب الله وامتثل أوامره وانتهى نواهيه نجا من الضلال ومن عقابه
وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي أي خالف أمري وما أنزلته على رسلي فتناساه وأخذ من غيره هداه فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً أي ضيقة في الدنيا.
قال ابن كثير: فلا طمأنينة ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حرج لضلاله، وإن تنعم ظاهره ولبس ما شاء، وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق وحيرة وشك، فلا يزال في ريبة يتردد، فهذا من ضنك المعيشة وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى
قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً أي في الدنيا
قالَ كَذلِكَ أي مثل ذلك فعلت أنت، عميت عن الحق في الدنيا أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها أتتك آياتنا واضحة فلم تنظر إليها بعين المعتبر، وتركتها وعميت عنها، فكذلك اليوم نتركك على عماك، ولا نزيل غطاءك عن عينيك وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى فالجزاء من جنس العمل، أي لما أعرضت عن آيات الله، وتناسيتها، وأغفلتها وعاملتها معاملة من لم يذكرها بعد بلاغها كذلك اليوم نعاملك معاملة من ينساك
وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ أي وهكذا نجازي المسرفين المكذبين بآيات الله في الدنيا والآخرة وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ ألما من عذاب الدنيا وَأَبْقى أي وأدوم، وبهذا انتهى المقطع الرابع.
[كلمة في السياق]
وهكذا استقرت قصة آدم عليه السلام على السنة الخالدة فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى فالضلال والشقاء ملازمان للإعراض عن دين الله، والهداية والسعادة ملازمان لاتباع دين الله، والصلة بين هذا وبين قوله تعالى في أول سورة طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى واضحة، فالسنة الخالدة لله تعالى هي أنه إنما ينزل وحيا، ويبعث رسلا للإسعاد لا للإشقاء، وللهداية والإكرام لا للإضلال والإبعاد فقصة آدم هنا إذن تخدم السياق الخاص لسورة طه بشكل واضح مبين.