على الكافر بهذا، وبيان أن الكافر لا حجة له، والكافرون جميعا لا حجة لهم. وخلال ذلك ذكرت ظاهرتان تدلان على الله: ظاهرة الحياة، وظاهرة الهيمنة والتسخير.
وكلاهما يدل على الله بما لا يقبل جدلا من عاقل. فالسياق كما نرى، سائر في طريق التعريف بالله، والتدليل على وجوده ضمن سياق الأمر بالإنفاق في سبيله. وبعد الحديث عن الله بشكل مباشر، يأتي حديث عن الله بما يخدم قضية الإيمان باليوم الآخر.
[فصل في عصر إبراهيم عليه الصلاة والسلام والكلام على ما أبهمه القرآن]
لم يقدم لنا علم الآثار شيئا يمكن من خلاله أن نحدد زمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام، والنصوص الإسلامية ساكتة عن هذا الموضوع، والروايات الكتابية لا يمكن الاعتماد عليها في هذا الشأن أو غيره، وقد نقل عباس محمود العقاد في كتابه (إبراهيم أبو الأنبياء) كل ما توافر أمامه من معلومات حول سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ومن جملة ما نقله كلام كثير من الشراح الذين حاولوا أن يستفيدوا من علم الآثار، مضافا إلى ما ورد في كتب العهد القديم ليلقوا ضوءا على عصر إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فذكر كيف أن بعضهم اعتبر عام (٣٠٠٠) قبل الميلاد هو الزمن الذي وجد فيه إبراهيم. بينما اعتبر بعضهم أن عام (٢٠٠٠) قبل الميلاد كان عصر إبراهيم، وبعضهم اعتبر إبراهيم عليه الصلاة والسلام أحدث عهدا من ذلك، وبعضهم اعتبر أن حمورابي هو الملك الذي دخل في حوار وصراع مع إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وحدد عصره بأنه القرن التاسع عشر قبل الميلاد، وليس في ذلك كله ما تقوم به الحجة، ويتحدث العقاد عن الكتب المعتمدة عند اليهود، وهي أسفار موسى الخمسة التي يسميها بعضهم التوراة وهي حصيلة دمج ثلاث نسخ، بعضها كتب في أيام المملكة الإسرائيلية، وبعضها كتب في المنفى بين النهرين، وبعضها كتب قبل الميلاد بثلاثة قرون، ومن الكتب المعتمدة عند اليهود ما يسمى بالمشنا، والذي منه التلمود، ويقول العقاد: وقد حصر المشنا في القرن الثاني للميلاد ودونت بعد الاعتماد على
الرواية أو التعليقات المتفرقة» و «وزيدت على المشنا في العصور الحديثة كتب من قبيلها تسمى بالتصافوت ... ومعناها الإضافات ... وانتهى تمحيص المشنا القديمة إلى اختيار طائفة من الأحكام المتفق عليها تسمى الجمارة أي التكملة. ومن مرويات المشنا والجمارة تجتمع كتب التلمود ... وتعرف بعض المأثورات الإسرائيلية باسم «المدراش» أو الدراسات».