وعند قوله تعالى في الآية إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ يذكر الألوسي تحقيقا حول إمكانية رؤية الجن فيقول:(والقضية مطلقة لا دائمة، فلا تدل على ما ذهب إليه المعتزلة من أن الجن لا يرون ولا يظهرون للإنس أصلا ولا يتمثلون.
ويشهد لما قلنا ما صح من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لمقدمهم حين رام أن يشغله عليه الصلاة والسلام عن صلاته، فأمكنه الله تعالى منه، وأراد أن يربطه إلى سارية من سواري المسجد يلعب به صبيان المدينة، فذكر دعوة سليمان عليه السلام فتركه.
ورؤية ابن مسعود لجن نصيبين. وما نقل عن الشافعي رضي الله تعالى عنه من أن من زعم أنه رآهم ردت شهادته وعزر لمخالفته القرآن، محمول- كما قال البعض- على زاعم رؤية صورهم التي خلقوا عليها؛ إذ رؤيتهم بعد التشكل الذي أقدرهم الله تعالى عليه مذهب أهل السنة، وهو رضي الله تعالى عنه من ساداتهم. وما نوزع به القول بقدرتهم على التشكل من استلزامه رفع الثقة بشيء فإن من رأى ولو ولده يحتمل أنه رأى جنيا تشكل به مردود بأن الله تعالى تكفل لهذه الأمة بعصمتها عن أن يقع فيها ما يؤدي لمثل ذلك المترتب عليه من الريبة في الدين، ورفع الثقة بعالم وغيره فاستحال شرعا الاستلزام المذكور» «وعندي أنه لا مانع من رؤيته صلى الله عليه وسلم للجن على صورهم التي خلقوا عليها؛ فقد رأى جبريل عليه السلام بصورته الأصلية مرتين، وليست رؤيتهم بأبعد من رؤية الجن. وأما رؤية الأولياء بل سائر الناس لهم متشكلين فكتب القوم مشحونة بها، ودفاتر المؤرخين والقصاص ملأى منها [أقول: وقد ثبتت رؤيتهم متشكلين رؤيتهم لأكثر من صحابي]. وعلى هذا لا يفسق مدعي رؤيتهم في صورهم الأصلية إذا كان مظنة للكرامة، وليس في الآية أكثر من نفي رؤيتهم كذلك بحسب العادة، ومن هذا يعلم أن القول بكفر مدعي الرؤية خارج عن الإنصاف فتدبر). هـ كلام الألوسي
[ولنعد إلى التفسير]
بعد الآيتين اللتين نادتا بني آدم في شأن اللباس الحسي والمعنوي: لباس الجسد، ولباس التقوى، يبين الله عزّ وجل كيف أن المنحرفين عن أمره ينحرفون ويبررون لانحرافاتهم بأنواع من التبريرات، كلها خاطئ وظالم فقال: وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً الفاحشة: ما يبالغ في قبحه من الذنوب كالطواف بالبيت عراة فعل أهل الجاهلية، وكالشرك والزنى ومن السياق نعرف أن ترك الستر فاحشة قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا