أخرى، وعدة من الله عزّ وجل فإذا فهم هذا كله فإن الفقرة الأخيرة تأتي آمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعبادة شكرا لله عزّ وجل على نعمه، وكطريق يساعد على تحمل العسر حتى يتلاشى.
قال تعالى: فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ قال النسفي: أي: إذا فرغت من دعوة الخلق فاجتهد في عبادة الرب
وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ قال النسفي: أي: واجعل رغبتك إليه خصوصا، ولا تسأل إلا فضله متوكلا عليه. وقال ابن كثير في الآيتين:
(أي: إذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها وقطعت علائقها فانصب إلى العبادة، وقم إليها نشيطا فارغ البال، وأخلص لربك النية والرغبة). أقول: وفي الآيتين أقوال أخرى سنراها في الفوائد. والذي أرجحه أنه أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالتعب في العبادة بعد الفراغ من أشغال الدنيا والدعوة. وأن يقبل على الله عزّ وجل بالدعاء، فإن العبادة والدعاء زاد الطريق لتجاوز المحنة، ومظهر العبودية الخالصة لله عزّ وجل شكرا له، وواضح أن المراد بالتعب التعب في الصلاة، فالصلاة هي ذروة العبادة.
[كلمة في السياق]
وضح لنا من خلال عرض السورة سياقها الخاص، ورأينا أنها تأمر بالصلاة والدعاء، وذلك يعرفنا على أن الصلاة والدعاء داخلان في العبادة، فهي تفصيل لقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ومن صلة السورة بالمحور نعلم أن هذا طريق للتقوى التي فصلت فيها السور الخمس السابقة على سورة أَلَمْ نَشْرَحْ من مجموعتها.
[الفوائد]
١ - ذهب بعضهم ذهابا بعيدا إلى أن المراد بالشرح في الآية حادثة شق الصدر، وهو معنى بعيد. ومع هذا فقد ذكره ابن كثير ونحن ننقله للفائدة. قال ابن كثير:
(وقيل: المراد بقوله: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ شرح صدره ليلة الإسراء كما تقدم من رواية مالك بن صعصعة وقد أورده الترمذي هاهنا، وهذا وإن كان واقعا ليلة
الإسراء، كما رواه مالك بن صعصعة، ولكن لا منافاة، فإن من جملة شرح صدره الذي فعل بصدره ليلة الإسراء، وما نشأ عنه من الشرح المعنوي أيضا، فالله أعلم.