نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ أي: فهلا تصدقون. قال النسفي: تحضيض على التصديق إما بالخلق؛ لأنهم وإن كانوا مصدقين به إلا أنه لما كان مذهبهم خلاف ما يقتضيه التصديق، فكأنهم مكذبون به. أقول: الملاحدة في عصرنا يكذبون أن يكون الله عزّ وجل هو الخالق، أو المعنى نحن خلقناكم فلولا تصدقون بالبعث؛ لأن من خلق أولا لم يمتنع عليه أن يخلق ثانيا. قال ابن كثير في الآية: يقول تعالى مقررا للمعاد، ورادا على المكذبين به من أهل الزيغ والإلحاد من الذين قالوا: أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ وقولهم ذلك صدر منهم على وجه التكذيب والاستبعاد فقال تعالى: نَحْنُ خَلَقْناكُمْ أي: نحن ابتدأنا خلقكم بعد أن لم تكونوا شيئا مذكورا، أفليس الذي قدر على البداءة بقادر على الإعادة بطريق الأولى والأخرى؟ ولهذا قال:
فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ أي: فهلا تصدقون بالبعث، ثم قال تعالى مستدلا عليهم بقوله:
أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ ... أقول: تأتي أربع حجج، كل حجة مبدوءة بقوله تعالى:
أَفَرَأَيْتُمْ* وكلها استدلال عليهم وإقامة حجة.
...
[كلمة في السياق]
لعل سياق السورة الخاص قد وضح من خلال العرض، السورة بدأت بذكر القيامة ومآل الناس فيه، وذكرت الأسباب التي أدت إلى استحقاق أهل النار النار، ثم بدأت تناقشهم في مجموعتها الثانية، ثم هي تقيم عليهم الحجة في مجموعتها الثالثة، وكان من إقامة الحجة عليهم في مجموعتها الثالثة أن ذكرت الموت لتصل إلى حال الناس بعد الموت فيما إذا كانوا مقربين، أو أهل يمين، أو كافرين، فإذا اتضح سياق السورة الخاص فلنلاحظ: ختمت السورة بالكلام عن أحوال الناس بعد الموت، وبدأت بالكلام عن أحوال الناس يوم القيامة، لاحظ صلة ذلك بالمحور كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وفي المجموعة الثانية