هذه هي مقدمة المقطع، وفيها أمر بجهاد الكافرين والمنافقين، وتعليل لما استحق به هؤلاء المنافقين أن يجاهدوا. وجهاد المنافقين إما أن يكون جهاد حجة وغلظة، وإما أن يكون بالقتل والقتال، وإما أن يكون بإفساد المخططات على حسب ما هم فيه، وما يحتاجه جهادهم.
قال ابن كثير: أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بجهاد الكفار والمنافقين والغلظة عليهم، كما أمره أن يخفض جناحه لمن اتبعه من المؤمنين، وأخبره أن مصير الكفار والمنافقين إلى النار في الدار الآخرة. وقد تقدم عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أن قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعة أسياف: سيف للمشركين فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ وسيف للكفار وأهل الكتاب قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ. وسيف للمنافقين جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ. وسيف للبغاة فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ. وهذا يقتضي أنهم يجاهدون بالسيوف إذا أظهروا النفاق، وهو اختيار ابن جرير، وقال ابن مسعود في قوله تعالى جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ قال: بيده، فإن لم يستطع فليكفهر في وجهه. وقال ابن عباس: أمره الله تعالى بجهاد الكفار بالسيف، والمنافقين باللسان وأذهب الرفق عنهم. وقال الضحاك: جاهد الكفار بالسيف، واغلظ على المنافقين بالكلام وهو مجاهدتهم. وعن مقاتل والربيع مثله، وقال الحسن وقتادة ومجاهد:
مجاهدتهم إقامة الحدود عليهم، وقد يقال: إنه لا منافاة بين هذه الأقوال لأنه تارة يؤاخذهم بهذا وتارة بهذا، بحسب الأحوال. والله أعلم». اه. كلام ابن كثير.
لاحظنا قوله رحمه الله (وهذا يقتضي أنهم يجاهدون بالسيوف إذا أظهروا النفاق، وهو اختيار ابن جرير) وقد أظهر المنافقون النفاق في عصرنا، وأصبحت لهم الشوكة والسلطان، وكل يوم يأتي يزداد الأمر شدة، والمسلمون متقاعسون عن القتال، متراخون عنه، يتهيبون في ذات الله، خوفا من لسان كافر أو منافق، فأين منهم قوله تعالى يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ.
[فوائد]
- وفي سبب نزول قوله تعالى: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا ... نذكر هذه الروايات: قال عروة بن الزبير: نزلت هذه الآية في الجلاس بن سويد بن الصامت؛