كونية، تعرف من خلال دراسة الكون العلمية. والدين لم يأت ليعلم الناس قوانين الظواهر الكونية. بل ليعلم الناس عقائدهم وعبادتهم، ومناهج حياتهم .. ولذلك كان الجواب بما ينسجم مع طبيعة الرسالة، ومهمة الرسول، وتعليم القرآن. قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ: أي هي معالم. يؤقت بها الناس صومهم، وعدة نسائهم، وأيام حيضهن، ومدة حملهن، ومحال ديونهم، وغير ذلك. كما أنها معالم للحج، يعرف بها وقته. وربط العبادات الإسلامية بمظاهر كونية كالشمس والقمر أدعى إلى المعرفة السهلة وأبعد عن التلاعب من أي مصدر كان وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها أي وليس البر بتحرجكم من دخول الباب في بعض أحوالكم، إذ هذه قضية غير معقولة المعنى، وأعمال البر كلها معقولة المعنى. وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى: ما حرم الله. فهل حرم الله عليكم دخول البيوت من أبوابها. فإذا لم يفعل فليس ما تفعلونه برا. وهذه هنا من تمام تصفية التصرفات كلها حتى تكون أثرا عن اتباع كتاب الله وهداه.
وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها: معناها ظاهر. ولكنها في سياقها تفيد ما قاله النسفي أي: وباشروا الأمور من وجوهها التي يجب أن تباشر عليها ولا تعكسوا. وَاتَّقُوا اللَّهَ: فيما أمركم به، ونهاكم عنه. لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ: أي لتفوزوا في أمر دنياكم وأخراكم.
[المعنى العام]
في الآية موضوعان: موضوع الأهلة. وموضوع دخول البيوت من أبوابها. والصلة بينهما من وجهين رئيسيين:
أولا: لما سألوا عن الأهلة كان الجواب كأنه ما يلي: معلوم أن كل ما يفعله الله تعالى لا يكون إلا لحكمة. فدعوا السؤال عن السبب. وانظروا في الحكمة، ثم انظروا فيما هو أليق بكم كهذه الخصلة التي تفعلونها مما ليس من البر في شئ، وأنتم تحسبونها برا.
ثانيا: لقد سألتم عن أسباب انتقال القمر من حال إلى حال. ولم ينزل الدين من أجل هذا. إذ سبيل هذا العلم بظواهر الكون من خلال التأمل والتجربة ومعرفة الأسباب.
ففعلكم هذا يشبه إتيانكم البيوت من ظهورها. فكما أنكم أخطأتم هذا الموضوع بتصوركم. فقد أخطأتم في سؤالكم. وكما أن الصواب أن تأتوا البيوت من أبوابها، فكذلك الصواب فى هذا الموضوع أن تأتوا الأمور من وجوهها فتتعرفوا على ظواهر هذا الكون.