للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال صاحب الظلال: [حول دور إبراهيم- عليه السلام- في إقرار كلمة التوحيد في الأرض]

ولقد كان لإبراهيم- عليه السلام- أكبر قسط في إقرار هذه الكلمة في الأرض، وإبلاغها إلى الأجيال من بعده، عن طريق ذريته وعقبه. ولقد قام بها من بنيه رسل، كان منهم ثلاثة من أولي العزم: موسى وعيسى ومحمد خاتم الرسل- عليهم صلوات الله وسلامه- واليوم بعد عشرات القرون يقوم في الأرض أكثر من ألف مليون، من أتباع الديانات الكبرى يدينون بكلمة التوحيد لأبيهم إبراهيم، الذي جعل هذه الكلمة باقية في عقبه، يضل منهم عنها من يضل، ولكنها هي باقية لا تضيع، ثابتة لا تتزعزع، واضحة لا يتلبس بها الباطل لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ يرجعون إلى الذي فطرهم فيعرفوه ويعبدوه، ويرجعون إلى الحق الواحد فيدركوه ويلزموه.

ولقد عرفت البشرية كلمة التوحيد قبل إبراهيم، ولكن هذه الكلمة لم تستقر في الأرض إلا من بعد إبراهيم. عرفتها على لسان نوح وهود وصالح وإدريس، وغيره من الرسل الذين لم يتصل لهم عقب يقوم على هذه الكلمة، ويعيش بها ولها. فلما عرفتها على لسان إبراهيم عليه السلام ظلت متصلة في أعقابه، وقام عليها من بعده رسل متصلون لا ينقطعون، حتى كان ابنه الأخير من نسل إسماعيل، وأشبه أبنائه به: محمد صلّى الله عليه وسلم خاتم الرسل، وقائل كلمة التوحيد في صورتها الأخيرة الكاملة الشاملة، التي تجعل الحياة كلها تدور حول هذه الكلمة، وتجعل لها أثرا في كل نشاط للإنسان وكل تصور.

فهذه هي قصة التوحيد منذ أبيهم إبراهيم الذي ينتسبون إليه، وهذه هي كلمة التوحيد التي جعلها إبراهيم باقية في عقبه. هذه هي تأتي إلى هذا الجيل على لسان واحد من عقب إبراهيم. فكيف يستقبلها من ينتسبون إلى إبراهيم، وملة إبراهيم.

لقد بعد بهم العهد، ومتعهم الله جيلا بعد جيل، حتى طال عليهم العمر، ونسوا ملة إبراهيم عليه السلام، وأصبحت كلمة التوحيد فيهم غريبة منكرة، واستقبلوا صاحبها أسوأ استقبال وقاسوا الرسالة السماوية بالمقاييس الأرضية، فاختل في أيديهم كل ميزان:

بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ* وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا: هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ* وَقالُوا: لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (الزخرف: ٢٩ - ٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>