ترتبت الجمل في آية الكرسي بلا حرف عطف، لأنها وردت على سبيل البيان. القسم الأول منها بيان لتوحيده وقيامه بتدبير خلقه، وكونه مهيمنا عليه، غير ساه عنه والثاني: بيان لكونه مالكا لما يدبره. والثالث: بيان لكبرياء شأنه. والرابع: بيان لإحاطته بأحوال خلقه. والخامس: بيان لسعة علمه، وتعلقه بالمعلومات كلها، وتعريف على جلاله، وعظم قدره.
[المعنى الحرفي]
اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ: هذا إخبار بأنه المتفرد بالإلهية لجميع الخلائق. الْحَيُّ الْقَيُّومُ أي: الحي في نفسه، الذي لا يموت أبدا، الباقي الذي لا سبيل عليه للفناء.
والدائم القيام بتدبير خلقه، وحفظه. فهو قائم بنفسه، غير مفتقر لغيره. وأما غيره فقائم به، مفتقر إليه. فجميع الموجودات مفتقرة إليه، وهو غني عنها. ولا قوام لها بدون أمره. وجودها مفتقر إليه، وصفاتها مفتقرة إليه، واستمرارها مفتقر إليه. لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ السنة: هي النعاس وهو ما يتقدم النوم من الفتور، ومعنى لا تأخذه أي لا تغلبه، والنوم أقوى من النعاس، وقد نفى هذا، وهذا وذلك توكيد للقيوم لأن من جاز عليه النعاس، والنوم، استحال أن يكون قيوما. فهو جل جلاله لا يعتريه نقص، ولا غفلة، ولا ذهول عما خلقه. بل هو قائم على كل نفس بما كسبت.
شهيد على كل شئ، لا يغيب عنه شئ، ولا تخفى عليه خافية، لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ: هذا إخبار بأن الجميع ملكه، وملكه. فالجميع عبيده، وتحت قهره وسلطانه. مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ: أي ليس لأحد أن يشفع عنده إلا بإذنه. وهذا من عظمته، وجلاله، وكبريائه. فلا يتجاسر أحد أن يشفع لأحد عنده إلا بإذنه له في الشفاعة، كما في حديث الشفاعة:«آتي تحت العرش فأخر له ساجدا.
فيدعني ما شاء الله أن يدعني. ثم يقال: ارفع رأسك وقل تسمع، واشفع تشفع.
قال: فيحد لي حدا، فأدخلهم الجنة». يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ أي:
يعلم ما كان قبلهم، وما يكون بعدهم. والضمير لما في السموات والأرض. ولم يقل:
أيديها، وخلفها، لأن فيهما العقلاء. وفي هذا التعبير بيان لإحاطة علمه بجميع الكائنات، ماضيها، وحاضرها، ومستقبلها. ما من حركة إلا وهو يعلم ما قبلها، وما بعدها. ولا شئ إلا ويعلم ما قبله وما بعده. فسبحانه سبحانه. وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ: المراد بالعلم هنا، المعلوم. فصار المعنى: لا يطلع أحد من