ونحن نتعمد في هذا التفسير ألا نذكر شيئا حتى يأتي محله، حتى لا يكون للإنكار علينا سبيل إن شاء الله.
وكثير من الأمور ستتضح كلما سرنا في هذا التفسير.
وإنما ذكرنا هنا ما ذكرناه لتأكيد على أن سورة آل عمران تفصل في مقدمة سورة البقرة، وامتدادات معانيها في سورة البقرة نفسها. وإن مما يحدد امتدادات معاني مقدمة سورة البقرة في سورتها، سورة آل عمران، وإنما نؤكد على هذا لأننا سنرى أن سورا كثيرة ستفصل في آيات من سورة البقرة، بينما سنجد آيات في سورة البقرة لا تفصلها سور، وما ذلك إلا لمثل هذا الذي ذكرناه.
هذه الكلية التي نذكرها هنا، والتي ستأتي الأدلة عليها كثيرا كلما سرنا في هذا التفسير تجعلنا نؤكد: أن ما أجمل في مقدمة سورة البقرة، قد فصل بعضه في سورة آل عمران، وستأتي سور أخرى تفصل بعضه الآخر، كما أن هناك سورا، ستفصل في آيات أخرى من سورة البقرة على نسق وترتيب خاصين.
كل ذلك نقوله لنلفت النظر إلى أن المسلم لا ينبغي أن يخرج من سورة آل عمران، إلا وقد خرج بمزيد من وضوح الرؤية في قضية التقوى والكفر والنفاق.
لقد عرفنا في مقدمة سورة البقرة، أن الكافرين لا يؤثر فيهم الإنذار. وعرفنا- مثلا- من المقطع الذي مر معنا، أن الكافرين يربطون بين الموت وعالم الأسباب فقط، وعرفنا في مقدمة سورة البقرة بعضا من أقوال المنافقين ومواقفهم، وهاهنا عرفنا بعضها الآخر من أنهم لا يشاركون في قتال، ومن كونهم مثبطين عنه، داعين للقعود،
إلى غير ذلك. وعرفنا من مقدمة سورة البقرة، أن الإيمان يستلزم صلاة، وإنفاقا، واتباع كتاب، ومن سورة آل عمران عرفنا، أن الإيمان يستلزم عدم طاعة الكافرين والمنافقين، وعدم اتخاذ بطانة من غير المؤمنين.
ولننتقل إلى المقطع الثالث والرابع من القسم الخامس من سورة آل عمران، وسنبدأ الكلام عن المقطعين معا لشئ له صلة بما مر معنا آنفا:
[المقطعان الثالث والرابع من القسم الخامس من سورة آل عمران]
يمتد المقطع الثالث من الآية (١٦٩) إلى نهاية الآية (١٨٩)، ويمتد المقطع الرابع حتى نهاية السورة، وهو خاتمة السورة.