مرغبا فيه بعد كل صلاة، لكنه بعد صلاة الخوف آكد، ولما وقع فيها من التخفيف ومن الرخصة في الذهاب فيها والإياب، وغير ذلك مما لا يوجد في غيرها، ولأن حال المحارب يقتضي يقظة وانتباها، وحالا طيبا مع الله. ثم أرشدنا الله- عزّ وجل- في حالة انتهاء وضع الخوف، وحصول الطمأنينة، إلى وجوب إتمام الصلاة وإقامتها بحدودها، وخشوعها، وركوعها، وسجودها، وجميع شئونها، مبينا تعالى أن الصلاة فرض مفروض، ومؤقت بوقت محدد. ومن هنا نفهم أن الصلاة يطالب بها المسلم في كل حال، ولا يسعه التخلف عن أدائها بحال، لا في سلم ولا في حرب، ولا في خوف، ولا في أمن. وإذا اضطر إلى تأخيرها في بعض الحالات التي نص عليها الفقهاء فعليه قضاؤها ثم يختم الله- عزّ وجل- هذا المقطع الذي يعتبر امتدادا لما قبله والذي ينصب هو والذي قبله على موضوع القتال، بأن لا يضعفوا في طلب عدوهم، بل عليهم أن يجدوا فيهم، ويقاتلوهم في كل حال، حتى في حالة الإصابة والجراح، مبينا أنه كما تصيبنا الجراح تصيبهم، وكما نألم يألمون، فنحن وإياهم سواء فيما يصيبنا من جراح وآلام، ولكنا نزيد عليهم بأننا نرجو من الله نصرا ومثوبة وتأييدا ما لا يرجون، كما وعدنا ذلك في كتابه العزيز، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وهو وعد حق، وخبر صدق، وهم لا يرجون شيئا من ذلك، فنحن أولى بمتابعة القتال منهم، والصبر عليه، والرغبة فيه. وإذ يطالبنا الله- عزّ وجل- بذلك، فما ذلك إلا من آثار علمه وحكمته، بأن هذا هو الطريق، الجهاد الدائم المستمر المتتابع في كل الظروف والأحوال. وقد كان خالد لا ينام ولا ينيم.
هذه هي المعاني العامة في هذا المقطع، وسنرى تفصيلاتها فيما يلي، فهل اتضح من هذا كله أنه لا تقوى إلا بجهاد وقتال.
[المعنى الحرفي]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا. أي: إذا سرتم في طريق غزو وقتال في سبيل الله، فتبينوا، أي: اطلبوا بيان الأمر وثباته ووضوحه في حال قتلكم وقتالكم. أو إذا قاتلتم فتبينوا حال من تقتلونه وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً. السلام هنا: هو الإسلام بدليل آخر النص لَسْتَ مُؤْمِناً وقيل هو الاستسلام، وقيل هو التسليم الذي هو تحية أهل الإسلام تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا أي: تطلبون الغنيمة التي هي حطام سريع النفاذ، فهو الذي يدعوكم إلى