للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طريق النظر والاستدلال، ويعرفهم أنّ النّظر الصحيح مؤد إلى أن شيئا منها ليس بإله، لقيام دليل الحدوث فيها، ولأن محدثا أحدثها، ومدبرا دبّر طلوعها وأفولها، وانتقالها ومسيرها وسائر أحوالها. وقد بدأ لمّا رأى الكوكب الذي كانوا يعبدونه .. قال لهم:

قالَ هذا رَبِّي. أي: في زعمكم، أو المراد أهذا ربي؟ استهزاء بهم وإنكارا عليهم، والعرب تكتفي عن حرف الاستفهام بنغمة الصوت، والصحيح أن هذا قول من ينصف خصمه مع علمه أنه مبطل، فيحكي قوله كما هو غير متعصب لمذهبه، لأنّه أدعى إلى الحق، وأنجى من الشغب عليه بعد حكايته فيبطله بالحجة فَلَمَّا أَفَلَ.

أي: غاب قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ. أي: لا أحب عبادة الأرباب المتغيرين من حال إلى حال. لأنّ ذلك من صفات المخلوقين لا الخالق

فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً.

أي: مبتدئا في الطلوع قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ. أي: نبّه قومه بهذا على أن من اتخذ القمر فهو ضالّ، وإنّما احتج عليهم بالأفول دون البزوغ- وكلاهما انتقال من حال إلى حال- لأن الاحتجاج بالأفول على بطلان الإلهية أظهر؛ لأنّه انتقال مع خفاء واحتجاب.

فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ. أي: أعظم من القمر والنّجم فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ به من الأجرام التي تجعلونها شركاء لخالقها

إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ. أي: للذي دلّت عليه هذه المحدثات على أنّه منشئها حَنِيفاً. أي: مائلا عن الأديان كلها إلى الإسلام وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ بالله شيئا من خلقه

وَحاجَّهُ قَوْمُهُ. أي: في توحيد الله تعالى ونفي الشركاء عنه قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ. أي: في توحيده وَقَدْ هَدانِ. أي: إلى التوحيد وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً قال هذا لمّا خوّفوه: أن معبوداتهم تصيبه بسوء والمعنى: إني لا أخاف معبوداتكم في وقت قطّ لأنّها لا تقدر على منفعة ولا مضرّة، إلا إذا شاء ربي أن يصيبني منها بضرّ فهو قادر على أن يجعل فيما شاء نفعا، وفيما شاء ضرا لا الأصنام وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً. أي: فلا يصيب عبدا شئ من ضر أو نفع إلا بعلمه أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ فتميّزون بين القادر والعاجز

وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ. أي:

وكيف أخاف معبوداتكم وهي مأمونة الخوف وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ. أي: بإشراكه عَلَيْكُمْ سُلْطاناً. أي: حجة إذ الإشراك لا يصح أن يكون عليه الحجة، والمعنى: وما لكم لا تنكرون على أنفسكم الأمن في موضع الخوف

<<  <  ج: ص:  >  >>