فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إننا ما دعوناكم إلى عبادتنا، ولا أمرناكم بها، ولا رضينا بذلك منكم إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ أي إننا كنا عن عبادتكم غافلين، فما كنا نشعر بها ولا نعلم بها، وإنما كنتم تعبدوننا من حيث لا ندري بكم أصلا. وفي هذا تبكيت عظيم للمشركين الذين عبدوا مع الله غيره، ممن لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنهم شيئا، ولم يأمرهم بذلك، ولا رضي به، ولا أراده، بل تبرأ منهم وقت أحوج ما يكونون إليه، وقد تركوا عبادة الحي القيوم السميع البصير القادر على كل شئ، العليم بكل شئ، وقد أرسل رسله وأنزل كتبه آمرا بعبادته وحده لا شريك له، ناهيا عن عبادة ما سواه. فأي الأمرين أعجب أمرهم، أو أن ينزل الله وحيا ويرسل رسولا؟!
هُنالِكَ أي في ذلك المكان أو في ذلك الزمان تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ أي تختبر وتذوق ما أَسْلَفَتْ أي ما قدمت من العمل فتعرف كيف هو أقبيح أم حسن، أنافع أم ضار، أمقبول أم مردود، هنالك في موقف الحساب يوم القيامة الاختبار الحقيقي لقيمة كل عمل وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ إلى ربهم الصادق في ربوبيته لأنهم كانوا يتولون ما ليس لربوبيته حقيقة، والمعنى: ورجعت الأمور كلها إلى الله الحكم العدل وَضَلَّ عَنْهُمْ أي وغاب عنهم، أو وذهب عنهم ما كانُوا يَفْتَرُونَ أي وضاع عنهم ما كانوا يعبدون من دون الله افتراء عليه، أو بطل عنهم ما كانوا يختلقون من الكذب وشفاعة الآلهة، فليترك هؤلاء الافتراء، وليعودوا إلى مولاهم الحق، وليعبدوا من يستحق العبادة قبل أن يأتي ذلك اليوم، وذلك بالإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم والإيمان بوحي الله بدلا من الإنكار والتعجب والاتهام، وهكذا انتهت هذه المجموعة، وفيها دعوة لترك التعجب من أن ينزل الله وحيا من خلال الإنذار والتبشير.
فبعد أن ذكر الله تعالى في المجموعة الرابعة الدنيا وسرعة زوالها، رغب في هذه المجموعة في الجنة ودعا إليها، وسماها دار السلام؛ لأنها خالية من الآفات والنقائص والنكبات، ثم أخبر أنها لمن أحسن العمل في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح، وبين ما أعده للكافرين بعد ذلك، وفي هذا السياق- المبشر المنذر- رد ضمني على المتصورين أن الله يدع هذا الخلق وشأنهم، فلا سؤال ولا حساب ولا عقاب، ولا رسل ولا وحي، ولا ميزان ولا عدل. ألا ما أحمق الإنسان الذي يفر من اتباع الوحي إلى الهوى.