وهذا يفيد أنه أجج عليه النار. وهذا يفيد أنه كان عنده من الوسائل الكثير، إذ النفخ اللازم لتأجيج السد نارا يلزمه وسائل كثيرة، ويبدو أنه كان بين قطع الحديد أشياء قابلة للاحتراق الطويل المدى حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً أي حتى إذا جعل المنفوخ فيه نارا وهو الحديد أي جعله كتلا نارية قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً أي أعطوني أصب عليه نحاسا مذابا، إذ القطر: هو النحاس المذاب؛ لأنه يقطر، وهذا يفيد أنه كان يملك من الآلات الشئ الهائل إذ إذابة النحاس والقدرة على صبّه على سد ضخم كله حديد محمر من الحرارة يحتاج إلى آلات وأسباب كثيرة، فإذا عرفنا هذا عرفنا معنى وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً
فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ أي إن يأجوج ومأجوج ما قدروا على أن يصعدوا من فوق هذا السد وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً أي ولا قدروا على نقبه من أسفله
قالَ ذو القرنين هذا أي السد، أو هذا الإقدار والتمكين من تسوية السد رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي أي بالناس حيث جعل بين هؤلاء القوم وبين يأجوج ومأجوج حائلا يمنعهم من الاعتداء
على هؤلاء القوم فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي قال ابن كثير: أي إذا اقترب الوعد الحق. وقال النسفي: فإذا دنا مجئ يوم القيامة وشارف أن يأتي جَعَلَهُ دَكَّاءَ أي ساواه بالأرض. قال النسفي: وكل ما انبسط بعد ارتفاع فقد اندكّ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا أي كائنا لا محالة، هذا آخر قول ذي القرنين وآخر قصته.
[كلمة في السياق]
هذه قصة مسلم آتاه الله عزّ وجل من الملك الكثير، ومكّنه في الأرض تمكينا كبيرا، وجعله يسخّر الأسباب كلها. فإذا تذكرنا أن هذه القصة: تفصّل قوله تعالى: وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ* ردا على من يتركون الإسلام ويسخرون من أهله من أجل زينة الحياة الدنيا فإننا نفهم من القصة ما يلي:
لا يظنن ظان أن الدخول في الإسلام لا يعنى التمكين في الأرض، بل على العكس من ذلك، فإن التمكين يكون أكبر.
ولا يظنن ظان أن الدخول في الإسلام يعني ترك الأسباب والبعد عنه، بل على العكس من ذلك، فإن الدخول في الإسلام يعنى اتباع الأسباب كلها، مع التوفيق الرباني لاستعمالها في محلها
ولا يظنن ظان أن الدخول في الإسلام يحرم الإنسان رزقا، بل على العكس من ذلك