للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكتاب من هذه الرسالة، ومرة بمضمونها بعد أن بدأ الرد الثالث بتسفيه ما هم عليه، وعلى هذا فإن الرد الثالث كان ردا بالمضمون، المضمون الباطل الذي هم عليه، والمضمون الحق الذي هو هذه الدعوة، فمن أين يحق لهم بعد هذا أن يطلبوا آية، وفي ثنايا الرد على مقترحي الآيات رد على أحزاب أهل الكتاب الكافرين بوحدة رسالات الله، ووحدة مضمونها الظاهرين في هذه الدعوة، ثم ختم الله الرد الثالث بتثبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحق الموحى إليه، وأن عليه ألا يبالي باقتراحاتهم وإنكارهم ومجادلاتهم فقال: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ أي آراءهم بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ الثابت من الله المؤيد بالحجج القاطعة، والبراهين الساطعة ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ أي من ناصر ينصرك وَلا واقٍ يقيك منه، وهذا من باب التهييج والبعث للسامعين على الثبات في الدين، وألا يزلزل المؤمن عند الشبهة بعد استمساكه بالحجة، وإلا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدة الثبات بمكان، وفيه وعيد لأهل العلم أن يتبعوا سبل أهل الضلالة، بعد ما صاروا إليه من سلوك السنة النبوية والحجة المحمدية، وبهذا انتهى الرد الثالث في سياق هذا المقطع على مقترحي الآيات ليأتي الرد الرابع:

وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لاحظ قوله تعالى أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ ولاحظ ما ذكرناه من أن هذه المجموعات كلها رد على قول الكافرين في الآية الثانية من هذا المقطع: وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ تجد ارتباطا بين المجموعة الجديدة، وسياق المقطع وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ فلست بدعا من الرسل، بل أنت واحد منهم، يجري عليك ما يجري عليهم وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً أي نساء وأولادا لأنهم بشر وهم قدوة، وفي ذلك رد على التصورات الخاطئة في حق الرسل عليهم الصلاة والسلام وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أي ليس في وسعه إتيان الآيات على ما يقترحه قومه؛ وإنما ذلك إلى الله لِكُلِّ أَجَلٍ أي لكل وقت، أو لكل زمن، أو لكل مدة كِتابٌ ينزله الله عزّ وجل ليحكم هذه المدة، ويفرض على أهل هذا الزمن اتباعه، فالتوراة والزبور والإنجيل لزمن، وهذا القرآن لباقي الزمان

ومن ثم قال الله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ أي يمحو الله ما يشاء منها فينسخه، ويثبت ما شاء منها فيقبضه، حتى نسخت كلها بالقرآن الحكيم الذي أنزله الله تعالى على محمد صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ أي وعند الله أُمُّ الْكِتابِ أي أصل كل كتاب وهو اللوح المحفوظ لأن كل كائن مكتوب فيه فهو الذي

<<  <  ج: ص:  >  >>